لماذا الإخوان المسلمون؟!
فى تصريح له -مؤخرًا- أكد محمد بن زايد، ولى عهد أبو ظبى، الحاكم الفعلى للإمارات أنهم فى حرب مفتوحة مع الإخوان المسلمين؛ حتى يُفنى أحدُنا الآخر-على حد قوله. وهذا التصريح ليس جديدًا على ذلك الرجل الذى ينفق الغالى والرخيص على حرب المسلمين وتخريب بلدانهم؛ ظهيرًا لليهود، أداة فى يد الغرب يحركونها كيف ومتى يشاؤون.
إنما الجديد هو المدى الذى وصل إليه هذا العداء، حتى إنه لن يوقفه إلا فناؤه هو أو فناء خصمه: الإخوان المسلمون، وهذا النوع من العداء لا يكون إلا لدى أصحاب العقائد السماوية الذى يؤمنون بالشهادة، وينتظرون الجزاء الأخروى من الله إن لم يحققوا نصرًا فى الدنيا..
من أجل ذلك يرى البعض أن الرجل قد تهوَّد أو تنصَّر؛ لأن هذه الأقوال والأفعال العنيفة لا تحركها المصلحة السياسية -مهما كانت-؛ وهذا أمر -أى يهوديته أو نصرانيته- لا أستبعده، ولا أجزم به فإن التاريخ حافل بأخبار ملوك وأمراء جنوا على أقوامهم الخزى والخراب بعدما والوا الأعداء واعتنقوا عقائدهم، وسلموا أرضهم وديارهم طوعوا لهؤلاء «الأحباب!» ودعوا بدعوتهم، واستنوا سننهم. كما لا أجزم به لأنه إلى الآن لم نسمع تصريحًا من أصحاب الشأن بهذا التحول، الذى يكون –عادة- مفخرة لمن فعله فلا يتردد فى إعلانه والبوح به.
لكن؛ ما سر العداء للإخوان المسلمين خصوصًا؟ هناك تقارير تؤكد أن ابن زايد كان واحدًا من الجماعة قبل أن يتحول عدوًا لها، وأنه أفسح لهم المساجد والجمعيات الأهلية لممارسة أنشطتهم الدعوية، وقد صرح كثيرًا بأن أساتذته وشيوخه من الجماعة، وسمّاهم بأسمائهم، وقيل أيضًا إن والده أحس فى وقت ما بخطر الإخوان عليه فأرسله إلى الغرب للعلاج النفسى وغسيل المخ؛ فقدم بصورة عدائية للغاية لكل من أحبهم من قبل. وهذا كلام يحتاج إلى مراجعة إذا ما أخذنا فى الاعتبار سلوكه منذ عام 1991 وحتى الآن؛ إذ أفعاله منذ هذا التاريخ ترجح أنها لم تكن رحلة لـ(العلاج من الإخوان)؛ إنما للتدريب على تنفيذ أجندة غربية لحرب الإسلام والمسلمين.
فالرجل يبنى قواعد عسكرية أمريكية منذ التاريخ المذكور، ويشدد الرقابة على بلده بصورة جعلته ديكتاتورًا شرسًا، وبدأ باستيراد الأسلحة الثقيلة حتى أصبح المستورد الخامس فى العالم لها، وتوسع فى انتهاك الأعراف الإنسانية بصورة غير مسبوقة، ويتعامل مع الجميع بمنطق القوة والبلطجة؛ حتى صارت دولته (القزمة) محطة لتجار المرتزقة الذين يُستخدمون فى أعمال العنف والإرهاب، وأكمل الصورة باستئجار مؤسس «بلاك ووتر» إيريك برنيس لإنشاء قوة خاصة تابعة له لسحق أى محاولة لنقده أو معارضته.
نعود للإجابة عن سؤال الإخوان المسلمين.. إن كل من حوله يؤكدون هوسه بالجماعة، وهاجسه الملِّح بأن نهايته على أيديهم، فلم يتردد فى إعلان أنهم «عدو أبدى»، لماذا؟ لأنهم «يأتون بالديمقراطية»، وما الإشكال إذا جاءت الديمقراطية؟ «لأن العالم العربى ليس جاهزًا لها، ولأن الانتخابات دائمًا يفوزون بها». إذًا الإخوان المسلمون يهددون عرشه، ويفسدون عليه عيشه؛ ولأنهم كما قال أيضًا: «إنهم مثل الإيرانيين؛ أصحاب أجندات». لكن هل هذا يدفعه إلى تسيير قواته آلاف الأميال لسحق حركات التحرر فى الصومال وليبيا واليمن، وإنفاق مئات الملايين على الانقلاب فى مصر؟ مع العلم أن هناك ممالك وإمارات مجاورة له لا يشغلها ما يشغله، وتثق أن ما ينطبق على دول الربيع العربى لا ينطبق عليها.
الحقيقة لا يكنُّ مثل هذا العداء للإخوان سوى اليهود، وقد واجهوهم فى المعارك وخبروهم، والتقوا بهم فى ساحات السياسة وأدركوا ألا معطل لمشاريعهم التوسعية سواهم، رغم سيطرتهم على عروش وجيوش العرب قاطبة؛ فلا ملجأ ولا منجى إلا إلى «أخ مخلص!» يفرِّق جمعهم ويشتت شملهم، وقد ربطوا حركات الإصلاح بهم، فما إن يسمعوا صيحة تحرر إلا سارعوا إلى ابن زايد للقضاء عليها، فى مشاهد فوضى ودموية، ثم إلصاق ذلك بالإخوان المسلمين، ولا مانع من استخدام جميع الأساليب غير المشروعة ضد المدنيين المسالمين، ولا أحد يستطيع الاعتراض، بعدما مهدوا طريقه إلى صداقة البيت الأبيض وباقى البيوت الأوربية، فضلاً عن تدشين عشرات من شركات العلاقات العامة العملاقة التى تبيض وجه دولته، وتصنفه ضمن أقوى رجال العالم وأعظم حكام المنطقة.
وهل العداء للإخوان المسلمين المقتصر على المصلحة السياسية يقتضى فتح عدة جبهات قتال فى آن واحد ينفق عليها ما يصعب عده؟ وهل يسمح هذا العداء بالتمثيل بالجثث فى ليبيا، وبالإجهاز على الجرحى فى اليمن، وبتخريب جزيرة سوقطرة وتجريف نباتاتها التاريخية؟ وهل يقتضى معاداة حماس وحصار الفلسطينيين؟ وهل يبرر الاحتفال بالأعياد اليهودية فى القصور الملكية؟
ليعلم ابن زايد أن الناس لم تعد فى غفلة، وأن الاستخفاف بالشعوب صار موضة قديمة، والإسقاط على الإخوان بدعوى أنهم فصيل سياسى مارق إن هو إلا ستار لحرب الإسلام، ولو نجح فى ذلك لنجح غيره ممن خانوا دينهم وأوطانهم؛ إذ إنه يصرح هذا التصريح والفشل يلاحقه، وخيباته أكثر من أن تُحصى.
الطغاة لا يرحلون طواعية
لم يسجل التاريخ حالة واحدة لطاغية زهد فى منصبه أو غادره طواعية، ولو ادَّعى أحدهم استعداده …