‫الرئيسية‬ عرب وعالم “خطبة السديس” والتوظيف السياسي للدين في التمهيد للتطبيع السعودي
عرب وعالم - سبتمبر 7, 2020

“خطبة السديس” والتوظيف السياسي للدين في التمهيد للتطبيع السعودي

خطبة السديسي

يمكن فهم الخطبة التي ألقاها إمام الحرم المكي  الشيخ عبدالرحمن السديس يوم الجمعة 5 سبتمبر 2020م حول حسن معاملة اليهود والتودد إليهم كنوع من  التوظيف السياسي للدين من جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يطمح في إجراء تحولات كبرى في بلاد الحرمين مهرا لتتويجه على عرش البلاد خلفا لوالده الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي بلغ من الكبر عتيا.

وتداول مغردون مقتطفات من خطبة الجمعة التي ألقاها السديس وتطرق فيها إلى مفهوم “الولاء والبراء” وعلاقة النبي محمد عليه السلام باليهود. وقال السديس بحسب المقطع المتداول: “من التنبيهات المفيدة في مسائل العقيدة عدم الفهم الصحيح في باب الولاء والبراء ووجود اللبس فيه بين الاعتقاد القلبي وحسن التعامل في العلاقات الفردية والدولية”. وقبل أن يختم السديس المعروف بولائه المطلق لحكام آل سعود، خطبته بالدعاء لفلسطين، عرج للحديث عما أسماها بــ”العقيدة الصحيحة ووجوب طاعة الإمام خلافا لمن وصفهم بـ”الخوارج المارقين والأحزاب الضالة وجماعات العنف المسلحة”.

بين مرحلتين

وتمثل خطبة السديس تأكيدا لتجذر أفكار التيار الجامي المدخلي في بلاد الحرمين وانتهاء مرحلة السلفية التقليدية التي كان يمثلها الشيخان الراحلان عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين. ويعرف الجامية بولائهم المطلق للحكام حتى لو ظلموا وشطوا وانحرفوا وارتكبوا الكبائر؛  وهو ما يمثل توظيفا للدين لخدمة توجهات الحكام وبذلك فإن هؤلاء المشايخ مثل السديس هم مجرد “ترزية” يعملون على تفصيل الإسلام على مقاس كل حاكم وفقا لتوجهاته وليس لنصوص القرآن والسنة التي يجب أن تكون هي الأساس والمعيار الثاتب الذي يحتكم إليه عند الاختلاف.

خطبة السديس أثارت موجة من الجدل، إذ قرأ فيها مغردون وسياسيون عرب، تمهيدا لتطبيع قريب بين السعودية والكيان الصهيوني. وشن مغردون هجوما لاذعا على خطيب الحرم المكي، واتهموه بتغيير مواقفه حسب توجهات ومواقف الحكام. وذكّر البعض الآخر بخطب السديس القديمة، قائلين إنه “كان يلهب حماس المصلين ببكائه ودعائه للفلسطينيين وانتقاده لسياسات الكيان الصهيوني وحلفائها”. كما نشر مغردون مقتطفات من خطبة أخرى للسديس كان قد مدح فيها إدارة ترامب وعلاقتها القوية بالقيادة السعودية.

هذا التذكير بمواقف السديس فتح باب النقاش من جديد بشأن استخدام الدين في الحياة السياسية في المملكة. ويرى نشطاء ومراقبون سياسيون أن خطبة الجمعة في السعودية كانت ولا تزال مرآة لما يحدث خلف الكواليس وفي القصور. لذا فهم يعتبرون خطبة السديس الأخيرة “مؤشرا خطيرا ودليلا على تغيير موقف القيادة السعودية من التطبيع مع الكيان الصهيوني”.

مرآة للكواليس

في خضم هذا الجدل تساءلت صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية: «هل بدأت السعودية في إعداد شعبها للتطبيع مع إسرائيل؟».. حيث اعتبرت الصحيفة العبرية خطبة السديس برهانا على أن الرياض تمضي على خطى أبو ظبي في إقامة علاقات طبيعية مع تل أبيب. وقالت الصحيفة إن الخطبة التي ألقاها إمام المسجد الحرام عبد الرحمن السديس، فسرها بعض العرب والمسلمين على أنها مقدمة لتطبيع السعودية مع الكيان الصهيوني. وأثنت الصحيفة الصهيونية على مواقف السديس، مشيرة إلى أنه دعا من قبل إلى حوار سلمي بين الأديان.

من جانبه اتهم الداعية الموريتاني محمد الشنقيطي السديس باستغلال منبر المسجد الحرام في مكة من أجل الترويج للتطبيع. أما حاكم المطيري أستاذ التفسير بجامعة الكويت فقال على تويتر:” السديس ومن منبر الحرم المكي يخطب وحده بلا مصلين! ويدعو إلى التطبيع! ويحرض على قتل من يرفضه بدعوى الفكر الخارجي!”.

وتأتي خطبة السديس في وقت تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي بالإقدام على خطوة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد أن كانت الإمارات أول دولة خليجية تتوصل لاتفاق لتطبيع كامل للعلاقات مع الصهاينة، في الشهر الماضي.

وبحسب أحكام الشريعة الإسلامية، فالأصل هو التعامل بالحسني مع أهل الكتاب وأصحاب أي دين آخر، واختص الإسلام أهل الكتاب بجواز التزاوج منهم وأكل طعامهم بلا خلاف {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. لكن الإسلام في ذات الوقت يؤكد ضرورة التفريق بين المسالمين منهم والمحاربين المعتدين، فقتال المعتدين منهم ومن أي دين آخر واجب على كل مسلم { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ويؤكد القرآن في سورة البقرة على أن المسلم عليه ألا يبدأ بالاعتداء على أحد ولا يقاتل إلا من يقاتله ويعتدي عليه { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

ورغم وضوح الحكم الذي يتسق بشك لكامل مع أحكام القانون الدولي، لكن أمثال السديس يرون في الصهاينة المحتلين المعتدين على المسلمين في فلسطين إخوة يتوجب مسامحتهم والعيش معهم في سلام رغم أن كل يوم يقتلون المسملين ويعتدون عليهم ليل نهار وهو ما توثقه شاشات التلفاز كل يوم. وفي سبيل ذلك فإنه يدلس بالحديث عن اليهود رغم أن المشكلة في الأساس مع الصهاينة المعتدين منهم وليس مع كل اليهود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …