‫الرئيسية‬ أخبار وتقارير بعد إشادتها بمسلسل يمجّد العسكر.. لماذا تصر “الإفتاء” على التمرغ في وحل السلطة؟
أخبار وتقارير - أبريل 29, 2020

بعد إشادتها بمسلسل يمجّد العسكر.. لماذا تصر “الإفتاء” على التمرغ في وحل السلطة؟

الاختيار

تُصر دار الإفتاء المصرية على التمرغ في وحل السلطة والدوران في فلكها، حيث دارت حقًّا وباطلًا، فإن كان حقًا طبلت ورقصت، وإن كان باطلا بحثت عن الذرائع والمبررات وليّ أعناق النصوص من القرآن والسنة من أجل تبرير مواقف السلطة المشينة والآثمة. لن تجد في قاموس المؤسسة الدينية المصرية، خصوصًا الإفتاء والأوقاف، إلا تسبيحا بحمد السلطة وتمجيدا لها وتزلفا لها بشتى الطرق والوسائل، باعتباره ذلك هو الطريق إلى مرضاتها ومباركتها.

في البداية وقبل كل شيء، يجب تأكيد أننا ندين بأشد ألفاظ وعبارات الإدانة الهجمات المسلحة التي يشنها مسلحون ضد عناصر الجيش والشرطة، كما ندين في ذات الوقت الجرائم التي يرتكبها الجيش والشرطة في سيناء من قتل للمدنيين واعتقال للآلاف وتعذيب وحشي وتدمير للمساجد والمنازل والمزارع في إطارٍ الحرب الإجرامية العبثية التي يشنها جنرال سفيه أثبتت الأيام شهوته الجارفة للسلطة، وسفك الدماء والارتماء في أحضان العدو الصهيوني.

لكن المؤلم حقا هو توظيف المؤسسة الدينية لخدمة أهداف السلطة والتسبيح بحمدها ليل نهار؛ حتى بات همهم الأوحد هو استرضاء السلطة حتى لو على حساب مرضاة الله ورسوله. وآخر هذه المواقف بيان ما يسمى بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذي لا هم له هذه الأيام إلا  الإشادة بمسلسل يتم بثه حاليا في فضائيات السلطة؛ يمجد في ضابطا بالجيش لم يفعل سوى الطاعة المطلقة والعمياء للأوامر الصادرة من كبار قادته من جنرالات (إسرائيل) في الحرب العبثية الإجرامية التي يشنها السيسي ضد سيناء وأهلها ومساجدها؛ حيث ارتكب شتى الجرائم ضد أهالي سيناء من قتل وحرق واعتقال وتعذيب وتدمير للمساجد والمنازل والمزارع وتهجير قسري للآلاف، ثم هلك في إحدى الهجمات المسلحة التي شنها مسلحون إما تابعون لتنظيم “ولاية سيناء” أو مسلحون من الأهالي ثائرون غاضبون للثأر من  جيش السيسي، الذي دمر حياتهم ونسف ممتلكاهم وجعلها هباء تذروه الرياح.

الفن الهادف “التابع للعسكر”

وفي إشادته بهذا المسلسل، علقت دار الإفتاء السيساوية، عبر فيسبوك قائلة، “لا مانع من الفن الذى يرقق المشاعر ويهذب السلوك؛ لأن الدين يهدف لبناء الإنسان، وكل فكرة تصب فى هذا الاتجاه تُحمد مهما اختلفت الوسيلة إذا كانت الوسيلة مشروعة والهدف منها التهذيب”. وأضافت “الإسلام لم يحرم الفن الهادف الذى يسمو بالروح ويرقى بالمشاعر بعكس الفنون التى تخاطب الغرائز والشهوات التى أجمع علماء المسلمين على حرمتها”.

لا مانع من الفن الذى يرقق المشاعر ويهذب السلوك لأن الدين يهدف لبناء الإنسان، وكل فكرة تصب فى هذا الاتجاه تُحمد مهما…

Posted by ‎دار الإفتاء المصرية‎ on Tuesday, April 28, 2020

وهو حق يراد به باطل لاعتبارات كثيرة: أولها، أن هذا ليس نطاق وظيفة دار الإفتاء التي تحولت في سنوات ما بعد انقلاب 30 يونيو إلى بوق للسلطة، حتى إنها تلعب في هذا الموقف  دور “الناقد الفني” الذي يسوق لمسلسل لم ينته بعد، ولم يعرف الناس مدى جودته الفنية والدرامية بعيدا عن محتواه الذي يتضمن جبالا من الأكاذيب والروايات المفبركة من أجل تمجيد الجيش، بعد أن تشوهت صورته وباتت في الحضيض.

ذلك أن الحكم على العمل الفني من زاوية فنية بحتة يتوجب مشاهدته كاملا للحكم عليه، لكن البروباجندا السابقة ليست حكما محايدا بقدر ما هي مشاركة في زفة التسويق للحصول على مباركة السلطة العسكرية المطلقة التي تحكم البلاد بالحديد والنار.

ثانيا: إذا كانت دار الإفتاء السيساوية ترى في هذا المسلسل بالذات تعبيرا عن الفن الهادف الذي لا يحرمه الإسلام؛ فلماذا لم نسمع لها حسا إزاء مئات المسلسلات التافهة الهابطة التي تشيع الفاحشة بين المؤمنين؟ لماذا سكتت ولا تزال تسكت حتى اليوم عن هذه الأعمال الهابطة وما أكثرها؟ لماذا لم تعلق على باقي المسلسلات والأعمال الدرامية التي تبث على فضائيات السلطة من أجل تقديم النصيحة للناس في هذا الشهر الكريم الذي يستوجب تقديم العبادة والصلاة وقراءة القرآن والذكر والصدقات وإعانة الفقراء على ما سواه من أعمال؟ وهل هذه نصيحة دار الإفتاء للناس أن اتركوا الصلاة وشاهدوا هذا المسلسل؟!

شيوخ السلطان

قبل شهور، أطل سفيه من شيوخ السلطة متباهيا “نعم نحن شيوخ السلطان”، وأضاف هذا الشيخ الطبال على إحدى فضائيات السلطة «نحن ندين بالطاعة لولي أمرنا، شاء من شاء وأبى من أبى، هتقولي منافق بقى مش منافق، لما تشوفونا بنسكت على منكر يقيني، ابقوا اتكلموا، لكن بصراحة مطلقة، إحنا شيوخ السلطان، وهكذا أمرنا الله، وهذا ما ورد في القرآن، واللي يقول غير كده يبقى شيطان». وطالب «خالد الجندي» كل الشيوخ أن يخرجوا إلى الناس ليعلنوا أنهم «شيوخ السلطان»، مضيفًا: «بأطالب كل شيخ يطلع بفخر يقول إيوة أنا شيخ السلطان، الله ده أنت بتمدحني مش بتذمني، يا جماعة علموا الناس هذا المصطلح”.

والجندي وأمثاله يتعاملون من الحكام والسلاطين على أنهم منزهون عن الخطأ؛ والدليل على ذلك تصريحات الجندي نفسه “لما تشوفونا بنسكت على منكر يقيني، ابقوا اتكلموا”، وحتى اليوم ومنذ سنوات طويلة لا يرى الجندي في تصرفات السلطة منكرا يقينيا لأنهم لم ينكروا على السلطة شيئا حتى اليوم؛ بل إن الجندي شط أكثر من ذلك، مدعيا “لو السيسي قال الخمر حلال تبقى حلال”، في انحراف غير مسبوق عن منهج العلماء والمسلمين الذين يرون طاعة الحكام مشروطة بطاعة الله ورسوله، وليست لهم طاعة خاصة وفقا لقوله تعالى: “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم”، بل إن عبارة “أولى الأمر” تتسع في تفسيرها لتشمل الحكام والعلماء الربانيين وليس شيوخ السلطة الذين شوهوا صورة المشايخ.

الخطر الأكبر

الخطر الأكبر، هو تأميم العسكر للمؤسسة الدينية منذ انقلاب 23 يوليو، وتحويلها  إلى سلطة كهنوت على غرار الكنيسة؛ فالأصل المعروف أن الإسلام لا وساطة فيه بين الله والناس، بعكس الكنيسة التي كانت تقوم بدور الوسيط، فلا تقبل من الناس صلاة أو عبادة إلا عبر الكنيسة، ولا يحق لأحد تفسير الكتاب المقدس إلا الكنيسة، ما جعلها تحتكر كل شيء وتوسع نفوذها الروحي والسياسي، حتى تحولت إلى سلطة تفوق أحيانا سلطة الملوك والحكام؛ فلما ثارت الشعوب الأوروبية أطاحت بسلطة الكنيسة لكنها بقيت مستقلة في سلطتها الروحية.

أما العسكر فقد حولوا الأزهر والإفتاء والأوقاف إلى كهنوت لا يتمتع بأي استقلالية؛ ليبقى شيوخ هذه المؤسسات موظفين في بلاط السلطة يقدمون لها القرابين ويتزلفون لها بالرضا والقبول، ومع تولي منافقين صدارة هذه المؤسسات فقدت قيمتها حتى تحولت إلى ديوان حكومي لا يتمتع بالاستقلال أو الاحترام والتقدير وهذا هو الخطر الأكبر؛ فمن يحرر الإسلام من السلطة؟ ومن يحرر المؤسسة الدينية من قبضة السلطان ويعيد لها استقلالها واحترامها بين الناس؟ هذا جهاد طويل لا يقوم به إلا رجال مخلصون نذروا حياتهم بحق لله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التفاوض مع إثيوبيا.. إيمان بالحل الدبلوماسي أم عجز عن الحل العسكري؟

تصريحات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أمس، حول الالتزام بالحل الدبلوماسي للأزمة مع إثيو…