الشهيد والطاغية.. شتان بين صاحب الظلال وأبو الهزائم
أعدم الطاغية المعروف جمال عبدالناصر فجر الاثنين 29 أغسطس 1966م، الشهيد سيد قطب المفكر الإسلامى الكبير ومؤلف تفسير فى ظلال القران، ولكنه بعدها بتسعة أشهر انتكست مصر بهزيمة نكراء في 5 يونيو 1967، وبعدها بثلاث سنوات مات عبد الناصر، يقول الباحث خالد ضوي “شتان بين موت وموت وذكرى وذكرى”، مستشهدا بما يقوله قطب نفسه -رحمه الله- في كتابه “في ظلال القرآن”: “إن الناس جميعا يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس جميعا لا ينتصرون هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق… إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضا، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال”.
الفرق 14 عاما
وفي 14 عاما تحديدا شهد عبدالناصر على أن استهداف الشيخ سيد قطب على جثة عبدالناصر، فابتلي بما تلفظ به، وساق الشيخ أبو أسامة منير جمعة مقتطفا من كتاب “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد” للدكتور صلاح الخالدي في (ص299). وتحت عنوان “ماذا قال عبد الناصر عن سيد قطب ؟” كشف أن رجال الثورة أرادوا أن يكرموا رائدها الفكري، وفيلسوفها العظيم ليعرف الشعب أهمية هذا المفكر العبقري سيد قطب.
يقول: “فدعوا إلى حفل لتكريمه وصادف أن كان الكاتب السعودي الراحل أحمد عبد الغفور عطاء، حاضرا هذا التكريم والذي كان بعد شهر من قيام الثورة أي في شهر أغسطس عام 1952م، فكتب عنه في مجلة كلمة الحق، “السنة الأولى، العدد الثاني 1967 م صفحات 37-39”.
ويضيف “وفي الموعد المحدد حضرت معه وكان النادي مزدحما بحدائقه وأبهائه الفسيحة، وحضرها جمع لا يحصى من الشعب، وحضر إلى النادي أبناء الأقطار العربية الإسلامية الموجودون في مصر، وكثير من رجال السلك السياسي، وكبار زعماء الأدب والفكر والقانون والشريعة، وأساتذة من الجامعات والكليات والمعاهد”.
ويتابع: “وكان مقررا حضور محمد نجيب، وتوليه تقديم سيد قطب .إلا أن عذرا عارضا اضطر محمد نجيب للتخلف. وبعث برسالة تليت على الحاضرين تلاها أحد الضباط.. وموجز كلمة محمد نجيب أنه كان حريصا على أن يحضر المحاضرة. ويفيد من علم سيد. ووصف سيد بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها.. وبعث نجيب برسالته مع أنور السادات. وأناب عنه جمال عبد الناصر”.
ويردف “وحوَّل الضباط محاضرة سيد إلى مناسبة للاحتفال والاحتفاء به، وبيان مناقبه وبدل أن يحاضر سيد فيهم، صار الخطباء يتكلمون عن سيد ويثنون عليه وهو جالس. افتتح أحد الضباط الحفل بآيات من القرآن الكريم، وقال أحد كبار الضباط: “كان مقرراً أن يقوم الرئيس محمد نجيب بتقديم أستاذنا العظيم ورائد ثورتنا المباركة، مفكر الإسلام الأول في عصرنا الأستاذ سيد قطب. ولكن أمرا حال دون حضوره وأريد مني تقديم الأستاذ سيد قطب، وإن كان في غنى عن التقديم وعن التعريف”.
وكان حاضرا الحفل الدكتور طه حسين، فتقدم وألقى كلمة رائعة قال فيها: إن في سيد قطب خصلتين هما المثالية والعناد. وذكر سيدا وأدبه وعلمه وثقافته وكرامته، وعظمته وفهمه للإسلام.. وذكر أثر سيد في الثورة ورجالها. وختم طه حسين كلمته بالقول: إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة، وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام.
وعندما تحدث سيد قطب عن الثورة وقف وألقى كلمة مرتجلة، وسط تصفيق المصفقين وهتاف الهاتفين له. وقال عن الثورة: “إن الثورة قد بدأت حقا، وليس لنا أن نثني عليها، لأنها لم تعمل بعد شيئا يذكر. فخروج الملك ليس غاية الثورة. بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام..”، وقال: “ولقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة، وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا. فأنا في هذا العهد مهيئ نفسي للسجن ولغير السجن أكثر من ذي قبل”، وهنا وقف جمال عبد الناصر وقال بصوته الجهوري ما نصه: “أخي الكبير سيد. والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة. ونعاهدك باسم الله بل نجدد عهدنا لك. أن نكون فداء لك حتى الموت..”. وصفق الناس تصفيقا حادا متواصلا!!
رسالة ليلة التنفيذ
أما خالد ضوي فيقول إنه في ليلة تنفيذ الحكم بالإعدام تقول حميدةَ قطب شقيقة سيد قطب: “استدعاني حمزة البسيوني إلى مكتبه وأراني حكم الإعدام والتصديق عليه، ثم قال لي إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم إذا كان شقيقي يجيبهم إلى ما يطلبونه!”. ثم أردف قائلا إن شقيقك خسارة لمصر كلها وليس لك وحدك! إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة، إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام ولا أحد يستطيع أن يؤثّر عليه إلا أنت. أنت وحدك مكلفة بأن تقولي له هذا، نريد أن يقول إن هذه الحركة كانت على صلة بجهة ما.. وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك. أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي.!
قلت له ولكنك تعلم كما يعلم عبدالناصر أن هذه الحركة ليست على صلة بأي جهة من الجهات. قال حمزة البسيوني׃ “أنا عارف وكلنا عارفون أنكم الجهة الوحيدة في مصر التي تعمل من أجل العقيدة، نحن عارفون أنكم احسن ناس في البلد، ولكننا نريد أن نخلص سيد قطب من الإعدام”. فقلت له إذا كان سيادتك عاوز تبلغه هذا فلا مانع.
وذهبت إلى سيد شقيقي وسلمت عليه وبلغته ما يريدون منه، فنظر إلي ليرى أثر ذلك على وجهي وكأنه يقول׃ أأنت التي تطلبين أم هم؟
واستطعت أن أُفهمه بالإشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك.
وهنا نظر إليّ وقال׃ والله لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تمنعني من قوله. ولكنه لم يحدث وأنا لا أقول كذبا أبدا.
وأفهمت أخي بالحكاية من أولها وقلت له إن حمزة استدعاني وأراني تنفيذ حكم الإعدام وطلب مني أن أطلب منك هذا الطلب.
سأل׃ وهل ترضين ذلك؟ قلت لا. قال إنهم لا يستطيعون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، إن الأعمار بيد الله وهم لا يستطيعون التحكم في حياتي، ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله والله من ورائهم محيط.
و تم تنفيذ حكم الإعدام بعد أن مُنع الصحفيون من دخول السجن وطلب منهم مغادرة المنطقة.. فلم يوثق الحدث بصورة و لم يكن هناك شهود الحدث ليرووا ما جرى إلا محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل وقد أُعدم كلاهما عقب إعدام سيد قطب.
أما من ناحية الدفن فإنه قد تم من قبل السلطات الرسمية وبصورة سرية في إحدى مدافن القاهرة!
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …