اعتقال “محمود عزت”.. بين محاولات إضعاف الإخوان وخوف العسكر من تعزيز شعبيتها
يمثل اعتقال الدكتور محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الجمعة 28 أغسطس 2020م، حلقة من حلقات الابتلاء العظيم الذي تمر به الجماعة منذ انقلاب 3 يوليو 2013م، والذي قاده وزير الدفاع وقتها عبدالفتاح السيسي مدعوما بتحريض أمريكي صهيوني خليجي.
واليوم تحاول الآلة الإعلامية للعسكر التضخيم والمبالغة في اعتقال الدكتور عزت، ويهولون من شأن المعلومات التي بحوزته، التي يرون أنها أعظم أثرا من اعتقال عزت نفسه، دون أن يدرك هؤلاء أن عزت كان يتوفع اعتقاله كل يوم، وأنه في الأساس لم يكن يحتفظ بأي معلومات أو أسماء عن الوضع الراهن للجماعة داخليا وخارجيا. وبالتالي فإن التعويل على ما لديه من معلومات هو باللون زائف وسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
من جانب آخر، فإن عزت نظرا لظروف اختبائه وكبر سنه من جهة ثانية، لم يكن يمارس دورا سوى التوجيه الفكري لعدم انزلاق الجماعة نحو مسارات تناقض مبادئها وتلحق مزيدا من الخسارة بها وفق فقه الموازنات، وبالتالي عُرف عن عزت أنه من وقف ضد توجهات البعض نحو تسليح الثورة خوفا من دخول البلاد في عشرية سوداء كما جرى في الجزائر أو سوريا، مؤكدا سلمية المسار الثوري اتساقا مع مقوله فضيلة المرشد العام الدكتور بديع فوق منصة رابعة “سلميتنا أقوى من الرصاص”، نعم.. ربما لم تحقق السلمية بعد أو بعض ما نرجوه لكنها على الأقل عصمت الجماعة والبلاد من سيناريو أكثر بؤسا ومأساوية، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
من جهة ثالثة، أن يفضي اعتقال عزت بمكانته ورمزيته إلى إضعاف الجماعة، فهذا مؤكد بلا شك، فكل قيادي أو عضو يتم اعتقاله يسهم في إضعاف الجماعة؛ لكن أن يؤدي ذلك إلى القضاء على الجماعة فهذا من قبيل الخيال المريض لأنصار العسكر والمؤيدين لنظم القمع والاستبداد العربي؛ ذلك أن الإخوان تقوم على فكرة المرجعية الإسلامية والأفكار لا تموت.
من جانب آخر تؤكد تجارب نظم الاستبداد المتعاقبة على مصر مع الجماعة منذ العصر الملكي وصولا إلى مرحلة الطغيان الأعمي في أعقاب انقلاب يوليو 2013م، أن اغتيال القادة والرموز أو اعتقالهم ربما يسهم في إضعاف الجماعة حينا من الدهر على المدى القصير، لكنه في ذات الوقت يؤدي إلى تقوية الجماعة وتعزيز شعبيتها ومكانتها داخل المجتمع على المديين المتوسط والطويل؛ فاغتيال المؤسس الإمام الشهيد حسن البنا على يد البوليس الملكي في فبراير 1949م لم يؤد إلى نهاية الجماعة، واعتقال معظم قادة الجماعة حلها في العهد الملكي لم يسفر عن شيء؛ فقد عادت الجماعة قوية بعد سنتين فقط سنة 1951م، لتقود أعمال المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاحتلال الإنجليزي على طول خط القناة.
وتمثل تجربة الجماعة مع الدكتاتور جمال عبدالناصر نموذجا واضح الدلالة على أن الجماعة لا تموت؛ فقد جرى الإعلان عن حل الجماعة واعتقال فضيلة المرشد العام الدكتور حسن الهضيبي وجميع قادتها وعناصرها في محنتين شهيرتين في 1954م والثانية سنة 1965م، وشهدت سجون عبدالناصر أبشع صور التعذيب والانتهاكات حتى قتل المئات تعذيبا في السجون ومقار الاحتجاز، وتباهي عبدالناصر ذات يوم أنه اعتقل نحو 19 ألف إخواني في ليلة واحدة في أعقاب عودته من زيارة للاتحاد السوفيتي. ودائما ما أكدت الآلة الإعلامية لعبدالناصر أن الجماعة ماتت ولم يعد لها وجود في مصر؛ فهل كان هذا حقا؟ هلك عبدالناصر وهلك نظامه، وعادت الجماعة تشق طريقها بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعضة الحسنة حتى سيطرت بالانتخابات على النقابات المهنية والاتحادات الطلابية وتصدرت المعارضة في البرلمان كأقوى فصيل شعبي ينافس نظام العسكر.
وعندما قامت ثورة 25 يناير 2011م، كان الإخوان هم الفصيل الشعبي الأكثر تأثيرا في الحشود الشعبية مطالبين بالحرية والديمقراطية باعتبارها آلية صحيحة لاختيار الحكام لا تناقض مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، فلما أطيح بمبارك منح الشعب ثقته بالجماعة في جميع الاستحقاقات النزيهة التي جرت في أعقاب الثورة، فازت الأكثرية البرلمانية، والأغلبية في مجلس الشوري، وفاز أحد قادتها (الدكتور الشهيد محمد مرسي) برئاسة الجمهورية أمام منافسة الفريق أحمد شفيق ممثل الجيش والدولة العميقة.
ربما يتفق الجميع على أن المحنة التي تمر بها الجماعة حاليا في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م هي الأسوأ في تاريخ الجماعة، حيث جرى اعتقال فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع ومعظم أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة وقادتها بالقطاعات والمناطق المختلفة على مستوى الجمهورية، ويتعرض حاليا عشرات الآلاف من معتقلي الجماعة في سجون العسكر لصنوف العذاب، ويحرمون من كل حقوقهم الإنسانية والقانونية والإهمال الطبي حتى استشهد قادة عظام أبرزهم الرئيس الشهيد محمد مرسي وفضيلة المرشد السابق محمد مهدي عاكف، والدكتور عصام العريان، والدكتور عبدالعظيم الشرقاوي وفريد إسماعيل وغيرهم، ولكن النظام العسكري بدون قصد منه يحول هؤلاء إلى رموز ستبقى في ذاكرة الأجيال لآلاف السنين يحكون قصص بطولاتهم في الثبات على المبدأ والتضحة والفداء في سبيل الله ثم الوطن. كل المحن والآلام ستزول وسيبقى الأجر وستبقى قصص الأبطال خلف السجون ترويها الأجيال المتعاقبة بإعجاب واندهاش.
إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟
ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …