أنباء عن عشرات الإصابات بكورنا في السجون.. فلماذا يصر السيسي على حبسهم؟!
أثبتت الأيام والتجارب أن الرهان على إنسانية نظام الانقلاب من أجل الإفراج عن المعتقلين والمسجونين خوفا من إصابتهم بفيروس كورونا هو رهان خاسر؛ ذلك أن رأس النظام الديكتاتور عبد الفتاح السيسي لا يتمتع بأي قدر من الإنسانية سوى تلك التي يبديها في مشاهد تمثيلية مصطنعة أمام عدسات التلفاز، فإذا ما توارت أبدى جوهره الإجرامي التليد، وكشف عن حالة مرضية مستعصية بلغت منتهى السادية بالتلذذ بعذابات الآخرين، وعدم الإحساس بالأمان إلا بوضع عشرات الآلاف من علماء مصر من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والدعاة إلى الله في زنازينه وسجونه.
وهناك أنباء تؤكد أن العدوى انتقلت بالفعل إلى عشرات المعتقلين والسجناء في سجون مصر وسط سياج من التعتيم الذي تفرضه سلطات الانقلاب منذ منع الزيارة في مارس الماضي. واليوم الأحد 17 مايو 2020م، كشفت “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” عن إصابة معتقل سياسي بفيروس كورونا في قسم شرطة مدينة نصر.
ووفقا لأحمد العطار، المحامي بالتنسيقية، فإن أعراض “كوفيد-19” ظهرت على أحد نزلاء قسم أول مدينة نصر بالقاهرة، والتأكّد من إصابة أحد المعتقلين السياسيين بفيروس كورونا. مضيفا “للأسف، هذا السجين لا يزال محجوزا داخل القسم حتى الآن، في ظلّ حالة تكتم شديدة على اسمه، وهناك حالة من الرعب بين النزلاء؛ نظرا لظهور أعراض الإصابة على عدد منهم”.
وهو ما أكده المحامي منتصر الزيات، موضحا أنّ بالغرفة أكثر من 14 شخصا آخرين ظهرت عليهم الأعراض من جملة 29 محتجزا بذت الغرفة الضيقة!، داعيا سلطات الانقلاب إلى سرعة التحرك لإنقاذهم.
وتعتبر حالة قسم شرطة مدينة نصر هي الثانية خلال يومين فقط؛ إذا تم الكشف الجمعة الماضية عن إصابة محتجز قسم ثان محافظة الإسماعيلية وهو المحتجز (علي. ق.م 27 عاما) على ذمة قضية سرقة أدوية سرطان من مستشفى أورام الإسماعيلية، وقد ظهرت عليه الأعراض ونقل إلى مستشفى العزل بأبو خليفة.
وحتى كتابة هذه السطور، تتجاهل وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب اتخاذ أية إجراءات جادة من أجل حماية المحتجزين وإجراء تحاليل للمخالطين لهاتين الحالتين، والكشف عن باقي المعتقلين والمحتجزين لحمايتهم.
والخميس الماضي 14 مايو، أعلن الحقوقي أسامة بيومي عن وفاة المواطن إبراهيم الدليل، المعتقل في مركز شرطة ههيا بمحافظة الشرقية، بعد تدهور حالته الصحية ونقله إلى مستشفى ههيا، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.
و”الدليل” ثالث مواطن يموت في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية خلال شهر مايو الجاري. إذ توفي المواطن المصري رجب النجار، من قرية الكفر القديم مركز بلبيس محافظة الشرقية، في قسم شرطة بلبيس، يوم الخميس 7 مايو الماضي، نتيجة الإهمال الطبي في محبسه. ويشتبه أهله في احتمال وفاته جرّاء إصابته بفيروس كورونا، لأنّ حرارته كانت مرتفعة، خاصة مع وجود عدد من المحتجزين الذين يعانون من ارتفاع شديد في درجة الحرارة.
وتوفي أيضًا المخرج الشاب شادي حبش (24 عاما) داخل زنزانته، في سجن طره، فجر السبت 2 مايو الجاري، بعد إهمال طبي جسيم في التعامل مع حالته الصحية. وشهد شهر مارس الماضي وحده 6 وفيات بالإهمال الطبي في سجون العسكر. وتوفي خمسة معتقلين في السجون ومقارّ الاحتجاز المختلفة في فبراير الماضي. وتوفي سبعة معتقلين في السجون ومقارّ الاحتجاز المختلفة في يناير الماضي.
التعتيم بالمنع من الزيارة
وتضرب وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب سياجا من السرية والتعتيم على ما يجري داخل السجون ومقرات الاحتجاز من خلال منع الزيارات منذ شهرين بدعوى الخشية من انتقال العدوى إلى السجون؛ رغم الاحتكاك المباشر من جانب الضباط وضباط الصف والمجندين وحرس السجن بالمعتقلين كل يوم؛ فلماذا يحرمون من أقاربهم؟ ولماذا لا يتم توفير آليات أخرى للتواصل عبر الهواتف أو الإنترنت أو غيرها لتكون هناك حالة من الاطمئنان المتبادل بين الأهالي والمعتقلين.
ومنذ 9 مارس الماضي لم يتمكن أهالي المعتقلين، من التواصل مع أبنائهم أو الاطمئنان عليهم، بعد قرار وزارة الداخلية بمنع الزيارات في السجون بدعوى الخوف من تفشي وباء كورونا.
ويؤكد المحامي والحقوقي، خالد علي، أن «حرمان الأسر من زيارة ذويهم في السجون أمر صعب للغاية». وكتب على صفحته الرسمية على «فيسبوك»: “لو كان الهدف حمايتهم من انتشار فيروس كورونا لتم منع دخول أو خروج أي شخص من منطقة السجون، سواء محبوسين أو عاملين لكن تطبيق هذا الحظر على المحبوسين فقط يفتقد المنطق». وتساءل: “لماذا حرمانهم من استخدام حقهم في المكالمة التليفونية ومن تبادل الخطابات المكتوبة وهي حقوق تنص عليها لائحة السجون؟”.
وبسجون مصر ومقرات الاحتجاز أكثر من 114 ألف سجين، أكثر من نصفهم معتقلون سياسيون بتهم ملفقة تتعلق برفض انقلاب العسكر منتصف 2013م. ويتوزع السجناء والمعتقلون على أكثر من 60 سجنًا تقريبًا. وصدر منذ الانقلاب العسكري في 2013 إلى الآن أربعة عشر قرارًا بإنشاء سجون جديدة لاستيعاب تدفق المعتقلين غير المسبوق.
وتتنوع السجون في مدى رداءتها، إلا أن الأغلبية الساحقة لسجون الرجال لا تحتوى على سرائر، ويصل التكدس فيها إلى الحد الذي تقسم فيه الزنازين بالشبر والأصابع والسنتيمترات، بحيث تحتوي الزنزانة على 30 شخصا يكون نصيب الفرد منها 30 سم، وينام الجميع على جانب واحد، أو يقسمون النوم على دفعات، دون تهوية أو إضاءة تذكر.
وعليه لم يصدر أي رقم رسمي من أي جهة حكومية عن أعداد المساجين، أو القدرة الاستيعابية لأماكن الاحتجاز، سوى تقرير أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان المعين من جانب النظام في مايو 2015، قال إن نسبة التكدس في غرف الاحتجاز الأولية، مراكز الشرطة تتجاوز 300%، وتصل في السجون إلى 160%.
تنديد حقوقي دولي
وفي أعقاب استشهاد الشاب شادي حبش بالإهمال الطبي في بدايات شهر مايو الجاري، دعا البرلمان الأوروبي سلطات الانقلاب إلى الإفراج عن “المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي”. وقالت رئيسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي ماري أرينا، في تغريدة: “نجدد دعوتنا للسلطات المصرية للإفراج عن جميع المعتقلين بشكل تعسفي، والمعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي”.
وفي أواخر أبريل الماضي، دعت منظمة العفو الدولية إلى خفض عدد السجناء، وخصوصا من الأطفال والناشطين، كما طالبت بحماية السجناء الأكثر عرضة للخطر وسط مخاوف متزايدة من تفشي وباء كورونا داخل السجون المصرية المكتظة.
وقالت المنظمة، في بيان، إن السلطات المصرية تحتجز آلاف الأشخاص رهن الحبس الاحتياطي المطول، بما يزيد عن مدة عامين التي يقرها القانون المصري. وأكد البيان أن الظروف في العديد من السجون المصرية غير إنسانية، بسبب الاكتظاظ وعدم توفر تهوية مناسبة، أو مياه نظيفة أو مواد تنظيف. وقالت المنظمة إن تلك الظروف غير الصحية، واستحالة تطبيق التباعد البدني، تزيد من احتمالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
ودعت الأمم المتحدة في بدايات أبريل الماضي، سلطات الانقلاب إلى إطلاق سراح “المدانين بجرائم غير استخدام العنف” والمودعين قيد الحبس الاحتياطي، للحيلولة دون إصابتهم بالفيروس. وأوصى المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان روبرت كولفيل سلطات العسكر بالاقتداء بالدول الأخرى التي نظمت لوائح جديدة في السجون بسبب تهديد فيروس كورونا.
إصرار على الجريمة
وفي الوقت الذي بادرت فيه عدة دول مجاورة بالإفراج الوقائي عن عشرات الآلاف من المساجين مثل إيران وتونس والمغرب والأردن والسودان وإثيوبيا والعراق وأفغانستان، يبدو نظام السيسي مصرا على قتل أكثر من 114 ألف سجين ومعتقل سياسي رغم أنه يفرض قبضته الحديدية على البلاد مستخدما خطاب مكافحة الإرهاب كذريعة للتنكيل بكل معارض للنظام حتى لو كان يمارس هذه المعارضة بأعلى صور السلمية؛ ويمكن عزو هذه العناد والكبر من جانب النظام على أن شرعيته تأسست عبر انقلاب عسكري واتهام عشرات الآلاف بالإرهاب وإن مجرد الفراج عنهم يمكن تفسيره بأن التهم المعتقلون على أساسها أصلا مفبركة وبلا أي دليل قانوني.
وتعبيرا عن إصرار الديكتاتور السيسي على جريمة قتل المعتقلين بالوباء، فإن مصلحة السجون لم تنفذ أي حملات توعية أو تعقيم إلا لمقرات الضباط والحرس وتركت للمعتقلين والسجناء إدارة الأزمة بأنفسهم، لكنها في ذات الوقت منعت دخول أي أدوات تعقيم في أغلب السجون ومقرات الاحتجاز. وحتى اليوم لا يزال النظام يشن حملات الاعتقال الإجرامية.
واستباقًا لأي تحرك سياسي، أصدر السيسي سريعًا القانون رقم 19 لسنة 2020 في 18 مارس والذي يلغي إمكانية الإفراج الشرطي عن المسجونين في عدة تهم منها تهم القانون 10 لسنة 1914 والمعروف بقانون التجمهر والتظاهر، والقانون 94 لسنة 2015 والمعروف بقانون الإرهاب الذي يحبس على الأغلبية الساحقة من المعارضين.
التفاوض مع إثيوبيا.. إيمان بالحل الدبلوماسي أم عجز عن الحل العسكري؟
تصريحات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أمس، حول الالتزام بالحل الدبلوماسي للأزمة مع إثيو…