مقالات - يونيو 19, 2015

عودة مرسي

مدهش أن هناك مَن مازال يتحدث عن قرب عودة الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى الحكم نتيجة ضغوط الإخوان و«نجاحاتهم»، وصادم أيضا أن يجدها البعض فرصة للحديث عن مؤامرة كونية أمريكية إخوانية تعتبر أن عودة مرسى باتت قريبة، وأنها بدأت فى الاتصال ببعض الشخصيات المدنية لتسهيل هذه المهمة.

وجاءت محاضرة الجامعى الأمريكى نعوم تشومسكى حول قرب عودة مرسى للسلطة- (تمت ترجمتها بشكل مخل للعربية)- فى جامعة كاليفورنيا الأمريكية، لتثير مزيدًا من اللغط حول موضوع يبدو وكأنه أقرب لعالم الخيال، خاصة بعد أحكام الإعدام التى طالت مرسى وعددًا كبيرًا من أعضاء الجماعة.

والحقيقة أن أسوأ ما فى النقاش حول قضية «عودة الإخوان» أنه يدار فى إطار الحديث عن معلومات أمنية، ومؤامرات خارجية، وكأن الشعب المصرى عاد كما كان، ولم يعد طرفا فى أى معادلة مثلما يتصور بعض مَن فى السلطة والمعارضة.

والسؤال الذى يجب أن يُطرح بداية: هل يمكن القضاء على جماعة أو تنظيم أو فكر- (حتى لو أنه إرهابى)- بالإجراءات الأمنية والاعتقالات وأحكام الإعدام؟ الإجابة اليقينية: لا، فقد تعرض الإخوان وغيرهم فى داخل مصر وخارجها لملاحقات وإعدامات كثيرة، ومع ذلك ظل التنظيم موجودا، صحيح أن المواجهة الحالية تختلف عن سابقاتها؛ لأنها نتاج فشل فى الحكم، فى حين أن المواجهات السابقة كانت بين فصيل معارض للسلطة ارتدى ثوب الضحية وتحدث فى مرحلته الأخيرة عن الديمقراطية ودولة القانون، فى حين أن صدامه الحالى جاء بعد أن وصل للسلطة وفشل ورفض حكمه أغلب المصريين، وتغيرت الصورة الذهنية التى حملها قطاع ليس بالقليل من الناس عن جماعة الإخوان من جماعة مظلومة وضحية طوال الوقت إلى جماعة جانية تمارس العنف أو تحرض عليه.

التحول فى تقديرات أغلبية الناس تجاه الإخوان لم يلغ وجود تيار أقلية مؤيد للجماعة، وأن هذا التيار لن يستطيع أن يعيد مرسى أو الجماعة للسلطة، لأنه اختار أن يبقى كأقلية كارهة لأغلبية الشعب المصرى، لأنه رفض نظامها.

والسؤال المطروح: هل يمكن أن يتحول رأى أغلبية الشعب المصرى الرافض لجماعة الإخوان إلى مؤيد أو متعاطف معهم؟ وهنا يصبح الحديث عن عودة مرسى أو الجماعة ليس وفق نظرية المؤامرة التى تُرَتب خارج الحدود، (باعتبار أنه لم يعد هناك شعب ولا رأى عام، إنما متآمرون وأجهزة سيادية يشطبون دور باقى خلق الله)، إنما سيحكمها أداء النظام السياسى وتحولات يمكن أن تحدث فى الرأى العام تجاه الخصوم، وأحيانا الأعداء.

قضية تحول موقف المجتمع المصرى تجاه الإخوان واردة، ولكنها لن تصل فى الوقت الحالى إلى إعادتهم مرة أخرى للسلطة، وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو رفض قطاع من المصريين للإخوان، وكراهية قطاع آخر لهم، وهذا القطاع يعتبر- كما سبق أن عَبَّر- الجماعة قوة احتلال أو جماعة غازية، وهو على استعداد أن يقبل بكل الخيارات السيئة إلا الخيار الأسوأ فى عودة الجماعة، وهنا يلتقى هذا التيار الشعبى مع قطاع غالب داخل الدولة يرى الجماعة شرا مطلقا لا بديل إلا باستئصاله نهائيًا.

ونصبح أمام نفس المعضلة، لا يوجد فى التاريخ المصرى والإنسانى حل استئصالى أمنى لتيار دينى أو فكرى أو سياسى، إنما يحتاج الأمر إلى مشروع فكرى وسياسى قادر على الاشتباك مع مشروع الإخوان كما جرى فى عصرى الوفد وعبدالناصر.

هذا المشروع يعنى ببساطة تقنين ما توافق عليه الشعب المصرى من قواعد ملزمة لأى تيار: الدولة الوطنية، النظام الجمهورى، الدستور المدنى، والتى تعنى بشكل تلقائى إخراج الجماعة بصيغتها الحالية من أى معادلة سياسية، ولكنه يفتح الباب لتأسيس جديد يُحدِث قطيعة مع تجربة الفشل الممتدة منذ أكثر من 85 عاما من عمر الجماعة، ويجعل هناك فرصة جديدة لبناء مشروع سياسى جديد يعبر عن قوى اجتماعية محافظة ودينية داخل المجتمع المصرى.

البعض من جهله يتصور أن حل مشكلة الجماعة سيكون بإعدام كل أعضائها، والحقيقة التى كررناها مرارا وتكرارا أن هناك قوى اجتماعية محافظة وتقليدية فى كل المجتمعات الإنسانية، وفى مجتمعاتنا العربية القوى الإسلامية تعبر عن جانب من هذه القوى الاجتماعية، التى اختار قطاع واسع منها الإسلاميين لكى يعبروا عنهم، وبالتالى إذا أعدمت كل قيادات الإخوان، فإنك لن تستطيع أن تعدم الظهير المجتمعى أو الكامن المجتمعى الذى مازال يرى أن القوى الإسلامية هى التى تعبر عنه.

والحل يكون فى الإجابة عن السؤال الكبير: أين ستترجم توجهات القطاع المحافظ دينيًا من المجتمع المصرى ويرغب أن يكون له تعبير سياسى وليس فقط دينيا؟
كل التجارب الإنسانية تقول إن هناك نظما كثيرة حاولت أن تهندس مجتمعاتها وتلغى وجود هذه القوى، باعتبارها ضد الدستور والمواطنة، وأحيانا جماعات إرهابية وغيرها، بالمقابل فإن تجارب النجاح حولنا فى تركيا (فى أول 8 سنوات من حكم أردوجان)، والمغرب وتونس وماليزيا تقول إن قدرة المجتمع والدولة على فرض القواعد المنظمة للعملية السياسية على الجميع هى وحدها القادرة على العبور من تجربة فشل إلى نجاح.

إن ظهور تيار سياسى محافظ دينيًا يختلف مع حزب النور سنراه غدًا أو بعد غد، فهل ستكون لديك قواعد دستورية وقانونية ودولة قانون ومؤسسات تفرض على هذا التيار احترامها أم ستترك الجوهر وتستمر فى صراخك الإعلامى وشتائمك وحلولك الأمنية الفجة لتفتح الطريق لظهور ما هو أسوأ من مرسى وجماعته، فى حين أن الضمانات الحقيقية لحراسة الدولة المدنية لم تقم بأى منها؟.

……………………………….

نقلا عن: “المصري اليوم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …