‫الرئيسية‬ مقالات “القوادة” من ماسبيرو.. إلى التحرير!
مقالات - يونيو 12, 2015

“القوادة” من ماسبيرو.. إلى التحرير!

كأن عبد الفتاح السيسي استهدف بانقلابه، أن يجعل بأس المصريين بينهم شديدًا، وكأنه استهدف تدمير منظومة القيم، التي تحكم سلوك المحافظين الممتثلين لها والذين يعضون عليها بالنواجذ، وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

فقد ضبطتني، وقد تخليت عن كوني صحفيًا محافظًا، فأعتبر في اتهام الضابط المتحدث باسم “30 يونيو”، بالقوادة، رمية بغير رام، فأنصب له “حفلة تجريس” على صفحتي على “الفيس بوك”، للتدليل على فساد الذين دعوا للانقلاب على الشرعية، وعلى إرادة الشعب المصري، وإسقاط الرئيس المنتخب، وإنهاء المسار الديمقراطي بجرة بيادة، وتمكين الثورة المضادة من الانتصار على ثورة يناير.

لم أكن متابعًا للنشاط السياسي لهذا الضابط، عندما قرأت أن مباحث الآداب ألقت القبض عليه، بتهمة إدارة شبكة للساقطات. وتمت الإشارة إليه بالضابط الكبير، مع أنه يحمل رتبة في منتصف السلم بالنسبة للرتب العسكرية وهي “الرائد” وعادة، فإن الضابط الكبير تطلق على من يحملون رتبة اللواء، لكن ربما رأي موقع “اليوم السابع”، أن يتجاوز الرتبة، بحجم نجومية المتهم، وربما كانت الإشارة له بـ “الضابط الكبير” لمزيد من الإثارة، وللموانع التي رآها الموقع، وجعلته يرمز لاسمه بحرفي: “ف، ب”!.

لم يكن الأمر بحاجة إلى التفكير العميق من قبل الذين يتابعون تفاصيل المشهد المصري من الداخل، ليعرفوا أن هذا المتهم هو الرائد “فهمي بهجت”، الذي تبين أنه ضيف مقرر على كل فضائيات الثورة المضادة، وأنه شكل قبل الانقلاب العسكري ما يعرف بائتلاف ضباط الشرطة، ثم شكل بعده ائتلاف ضباط 30 يونيو، ودخل “ميدان التحرير” في يوم المؤامرة على الثورة محمولًا على الأعناق، باعتباره أحد وجهاء هذا اليوم.

بالبحث والتحري، تبين أن الفتى كان منذ تولي الرئيس محمد مرسي الحكم، وهو نجم على إعلام الدولة العميقة، وكان هو الأعلى صوتًا، وفي الوقت الذي كان فيه ضباط الشرطة، يخافون من الرأي العام بعد هزيمتهم في يوم جمعة الغضب وبعد أن ولت الشرطة في هذا اليوم الدبر، كان هو يجهر بالمعصية وإعلان التمرد على سلطة الرئيس المنتخب، وتطاول على الشيخ حازم أبو إسماعيل، وكان وزير الداخلية السابق، اللواء محمد إبراهيم قد أقاله لخروجه على مقتضى الواجب الوظيفي، والظهور التلفزيوني بدون موافقة الوزارة كما تنص التعليمات!.

وبدا واضحًا، أن الإقالة كانت على الورق، لأن الوزير كان ضالعًا في الانقلاب، ولأن ” فهمي بهجت” دخل “ميدان التحرير” محمولًا بزيه العسكري، وكان واضحًا أنه يحمل جهازًا لاسلكيًا في يده، وهو لا يحمله إلا الضباط في خدمتهم!

الأسلوب السوقي

ومن متابعة مشاركاته التلفزيونية على “اليوتيوب” يتضح أنه كان سوقيًا في أسلوبه، يتعامل في مداخلاته، كما لو كان شرطيا من عالمنا الثالث، مع مجموعة من اللصوص الذين ينتمون للبرولتاريا الرثة، فأمثاله لا يستطيعون التطاول على اللصوص الكبار، من ناهبي أموال البنوك، ومقدرات الوطن؛ لأن العين لا تعلو على الحاجب!.

عندما تم فصل “بهجت” من العمل، وأقام دعوى قضائية، يطلب فيها إلغاء القرار الإداري، استضافته قناة “الجزيرة” عبر الهاتف، ليروي ما جرى معه، وكان هذا في عهد الرئيس محمد مرسي، لكن لأنه ينتمي بالوظيفة والمكانة لدولة مبارك، ولأن هذه الدولة كانت في عداء مستمر مع قناة “الجزيرة”، ولأن أبناء هذه الدولة استمر عدائهم لهذه القناة بعد تنحي المخلوع، لاعتقادهم الراسخ أنها وراء ثورة يناير التي نجحت في إسقاط زعيمهم المفدى، وقضت على مملكتهم كضباط شرطة كانوا هم الحكام المباشرين، فقد انتهز الفرصة، ليهاجم القناة والقيادة القطرية في “وصلة ردح”، تفوق بها على “خالتي فرنسا” في الفيلم الشهير.

لقد بدا الفتى بزي الشرطي محمولًا على الأعناق داخل “ميدان التحرير” في 30 يونيو في العمل التمهيدي للانقلاب العسكري، صيدًا ثمينًا لكثيرين وأنا واحد منهم، بعد القبض عليه بتهمة إدارة شبكة للساقطات للعمل في الدعارة، ممارسًا أقدم مهنة عرفها التاريخ وهي القوادة، وهي مهنة في قاع الانحطاط كما هو معروف، ويكفي لأن يكون ممارسها من وجهاء الثورة المضادة، ليكسب محامي ثورة يناير القضية من أول جلسة.

وهذا كان سبب احتفائي بالأمر، واحتفاء كثير من المنتمين لقضية الشرعية بها، لأنه دفاع يختصر كثيرا من الكلام، ولهذا فقد كان أنصار الثورة المضادة في حرج بالغ، فعلى إثر هذه القضية فقدوا القدرة على النطق، فالمتهم بهذه الجريمة النكراء أحد رموز ثورتهم، ولا يمكنهم الدفاع عنه، لأنهم سيوصمون جهازًا كاملًا هو جهاز الشرطة الذي هو جزء من انقلابهم بتلفيق القضايا للأبرياء، ليكونوا في حكم، من خرج من “حفرة” ليقع في “دحديرة”، ومن جاء لكي يكحلها فأصابها بالعمى، كما يقول المثل الشعبي والذي ننقله بتصرف!.

حمالة أوجه

لأن شيئًا ما بداخلي قد تغير بفعل هذا الانقلاب، فلم أنتبه لقواعد كانت حاكمة لممارستي لعملي الصحفي، مثل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، بل استطعت بالخبرة أن أسس لقاعدة أكثر صرامة، في ما يختص بمستندات الإدانة، فمهما كانت الجهة التي أصدرتها، فإنها لا ترتقي إلا لأن تكون قرينة، قد ترتقي لمرتبة الدليل وقد لا ترتقي، ولا بد من مناقشة من تطوله الاتهامات والاستماع لوجهة نظره، وكان الرأي الذي انتهيت إليه بعد “تجارب السنين”، أن المستندات حمالة أوجه.

لم أكن منذ وقوع الانقلاب، مؤمنًا بفكرة التصيد والافتعال على كافة المستويات، سواء تصيد ما يمثل تشويهًا لقيادته، أو ما يعلي من قدر مرحلة ما قبل الانقلاب العسكري، وكان رأيي دائمًا يكفي أن يكون ما وقع خروجًا على قواعد الديمقراطية لأرفضه وليمثل جريمة، فما البال وقد كان انقلاب قتل وسجن وارتكب المجازر؟، ولم أكن ميالًا ولا موافقًا على استثمار أمور غير محققة في حربنا ضده الانقلاب مثل أن والدة عبد الفتاح السيسي يهودية، فيكفي أنه عسكري أدار انقلابًا ليصبح رئيسا، لكي أكون ضده باعتباره فعل سوء.

عذري، أنني اعتبرت أن الفتى وهو نجم تلفزيوني، وبعض الإعلاميين قالوا إنه من كان يحدد لهم أسماء الضيوف في البرامج، في حصانة من التلفيق، فهو يعيش في دولته التي دعا لها وشارك في تأسيسها.

بعد أن ذهبت السكرة وحلت الفكرة، قلت في نفسي إن كون الرجل من وجهاء الدولة الجديدة، فإن هذا يمثل عاملًا مانعًا من أن يتم القبض عليه، وإن خالف القانون، وأدار شبكة للساقطات، فيكفي التنبيه عليه، لأنه ابن المرحلة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تشويهه هو تشويه لمرحلة تعمل وزارة الداخلية في خدمتها!.

لقد قال الرائد ” فهمي بهجت” إن القضية ملفقة، وهو كلام يمكن لأي متهم في أي قضية أن يقوله. وقال في استقالته التي أرسلها لوزير الداخلية أنه تعرض للاعتداء، ولم ينس موقعه كزعيم سياسي فطالبه بأن تتوقف الشرطة عن إهانة المصريين. وهي نكتة، فمن تجليات ثورته المجيدة عودة الشرطة للانتقام لنفسها مما حدث لها في ثورة يناير، وتصرف الضباط على أنهم السادة كما كانوا في مرحلة ما قبل الثورة.

لقد نشر أن المتهم قاوم الشرطة، وربما كان الاعتداء عليه بسبب هذه المقاومة!.

لكن يظل كل هذا من باب التكهنات، غير المؤكدة، بما في ذلك اتهامه بأنه قواد، وقد شاهدنا كيف تمت حماية قاضيين، كان لهم دور في التستر على مذبحة رابعة بقرار بحظر النشر، بعد القبض عليهما في قضية الاتجار وتهريب الآثار!.

القضية المتهم فيها، “فهمي بهجت” ليست قضية عادية، وهو إن حصل على البراءة قانونًا، فلن يحصل عليها من المجتمع، وإن كانت ملفقة، وستظل علاقته بالسلطة الجديدة حاضرة في البراءة فسيقال حينها إنه حصل عليها مجاملة باعتباره ابنا للعهد الجديد، لكن ألم يساورنا الشك ولو بنسبة قليلة أن هذه العلاقة ربما تكون حاضرة في عملية القبض والتشهير؟!.

كثير من القضايا، من هذا النوع قد تكون وراءها دوافع معقدة ومتشابكة، وإن بدت بسيطة!.

السيارة المرسيدس

خذ هذه!
كان وزير الإعلام صفوت الشريف ممن يجيدون استخدام الصحف في معاركه، وكم من صحفي ظن الناس أنه معارض لمجرد أنه هاجم هذا المسؤول أو ذاك الوزير، وتحدث الرأي العام عن شجاعته، ولم يكن يعلم أن الهجوم هو لمصلحة مسؤول أقوى وفي حمايته.

لقد استيقظ الرأي العام ذات صباح على قنبلة صحفية تتمثل في مقال منشور يتضمن حصول مسؤول بالتلفزيون على سيارة مرسيدس من ثري من أثرياء الخليج، لأنه وهو المسؤول عن قطاع الإنتاج بالتلفزيون، قد مكن هذه الثري من فنانة، بأن أوقف العمل في أحد المسلسلات خلال فترة استجمامها معه!.

لم يكن كاتب القنبلة، قد كتب اسم هذا المسؤول، وإن كانت الإشارات كلها توحي باسمه فقد ذكر أوصافًا لا تنطبق إلا عليه، وذلك بالنسبة للصحفيين والمهتمين، وكان يمكن للأمر أن يمر بأقل الخسائر وعلى قاعدة أخف الضررين.

ولكن لأن المسؤول بالتلفزيون قد تقدم ببلاغ للنائب العام ضد الكاتب، فقد أفصح بذلك عن نفسه، وتداولت القضية إعلاميًا، ورأيت أن أحققها صحفيًا بحوارات مع أطرافها!.

التقيت بالمسؤول في مكتبه بمبنى ماسبيرو، وقلت له أنا رأيي أن “صفوت الشريف” وراء ما نشر، وإذ كنت الصحفي الوحيد في بر مصر الذي يكتب نقدًا ضد وزير الإعلام، الذي يعد من مراكز القوى في البلاد، فقد ظن الرجل أنني أورطه في معاركي الصحفية، وانتفض مدافعًا:

“مستحيل، هل تعلم أن صفوت بيه انزعج مما نشر، وهو من دفعني للتقدم ببلاغ للنائب العام، وقال لي: هذا أمر لا يمكن السكوت عليه”؟!

وقلت له: لقد كانت عندي شكوك وبهذا البلاغ تأكد لي أنه من يقف وراء النشر، فالكاتب لم يكن بإمكانه أن يوجه الاتهام لك بالاسم، لأن الأدلة غير مكتملة، وحتى لا يقع تحت طائلة القانون، وبالبلاغ أنت أكدت أنك المعنى والمستهدف بالفضيحة!.

لم يصدقني الرجل، وللدقة لم يكن يريد أن يصدقني، وكنت قد علمت أن قرار اغتياله صدر، لأنه طلب من أحد القادة الخليجيين التوسط لدى مبارك لما له من حظوة عنده لأن يخلف “صفوت الشريف”، في وقت كان يقول: “أنا آخر وزير إعلام في مصر”!.

معارك مراكز القوى

وبدأت النيابة الإدارية تحقق في الجانب الإداري مما نشر من خلال تعطيله للعمل، والخسارة التي لحقت بقطاع الإنتاج من جراء ذلك، وكان يترأس الحكومة رئيس وزراء قوي هو الدكتور كمال الجنزوري، الذي دخل في معارك مباشرة مع مراكز القوى والقادة التاريخيين في السلطة من أمثال صفوت الشريف، وكمال الشاذلي، لتأكيد سطوته وليس لخلاف في الرؤية أو المنهج!.

ولأنها كانت معركة تكسير عظام، وقد ظن الجنزوري لقلة خبرته في هذا النوع من المعارك، أن القضية تمثل إساءة لوزير الإعلام صفوت الشريف في المقام الأول، ويبدو أنه قام بالتوصية لدى رئيس النيابة الإدارية، الذي وجه 36 اتهامًا لصاحبنا وأحال القضية للمحكمة الإدارية، وهو يستعد لخروجه للتقاعد الوظيفي، ليعين بعدها مباشرة محافظًا، وكأن هذا ثمن ما فعل!.

وهنا صدر قرار “صفوت الشريف” بإقالة مرءوسه من العمل، إلى حين الفصل في القضية، وصاح المتهم بأن النيابة لم تحقق معه، ولم توجه له الاتهام، وأنه ذهب إليها ثلاث مرات وربما أكثر أو اقل، فكان ما بينه وبين المحقق ليس أكثر من “دردشة”، ولم تؤخذ أقواله ولم يوقع عليها، وبالتالي عندما توجه هذه الاتهامات إليه، فإن من حقه أن يجيب عليها!.

مرة أخرى ذهبت إليه، لكن في مكتبه الخاص هذه المرة، خارج مبني التلفزيون “ماسبيرو”، وقلت له اعتبرني أنا النيابة وسأوجه لك الـ 36 اتهامًا، وأضفت إليهم سؤالًا من خارج الموضوع حول ما يتردد من أن وزير الإعلام وراء ما جرى حتى لا تخلفه؟.

ورد: لو كانت هذه الاتهامات صحيحة لكان المسؤول الأول هو صفوت الشريف، لأن ما يسيء لمرءوس له يسيء إليه بحكم أنه الموظف الأعلى في وزارة الإعلام. لقد كان طيبًا ككمال الجنزوري تمامًا.

وقال لي: هل تعلم أن من كلم المحامي الكبير للدفاع عني متطوعًا هو “صفوت الشريف”؟.

قلت له: ربما فعل هذا التصرف ليسيطر عليك من خلاله. وكنت كمن يؤذن في مالطة!.

نشر الحوار، المحاكمة، وكانت الإشارة له على ثماني أعمدة أعلى الصفحة الأولى تحتوي على اسم “صفوت الشريف” وما جاء على لسان الرجل تفنيدًا لما قلته، ولكن لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس فيومها انزعج وزير الإعلام للغاية، واتصل برئيس التحرير الدكتور صلاح قبضايا، يطلب منه الانتباه لمحاولات “سليم عزوز” للزج باسمه في موضوع لا علاقة له به!

أمام المحكمة

ولم تعد تشغلني القضية بعد ذلك، ولم انشغل بمطالعة أخبار جلسات المحكمة لنظرها، وفجأة صدر حكم مزلزل، باتهام الرجل بـ “القوادة”، واتصل بي المسؤول السابق، يطلب أن أجري حوارًا معه وسوف يعلن أن “صفوت الشريف” وراء القضية؟!.. وقلت له ضاحكًا: لقد سبق السيف العذل، فمن يسمع لـ “ٌقواد” بحكم محكمة؟ والحكم عنوان الحقيقة، في مواجهة واحد من “الأشراف”.

وكان “صفوت الشريف” يدفع البعض لترديد أنه من “آل البيت”، والبعض كان يردد هذا تقربًا إليه بالنوافل وبدون تحريض، وعندما قاد أحد الشباب انشقاقًا داخل “نقابة الأشراف”، طالب بأن يكون “صفوت الشريف” هو النقيب المختار!.

ومع ذلك، فقد أزعجني الاتهام، الذي ألغته المحكمة العليا في وقت لاحق، ذلك بأنه لم يكن مطروحًا على المحكمة من خلال اتهامات النيابة الإدارية، ثم أن توجيه اتهامًا من هذا النوع يخرج عن حدود الاختصاص المعقود لمحكمة القضاء الإداري!.

كان القاضي “معرفة”، وهي مرتبة أقل من “الصديق”، وكان رأيي أنه عمد للإثارة وهو الذي قضى حياته، وأوشك أن يصل لسن الإحالة للتقاعد، بعيدًا عن المنصة، وقد اعتلاها في هذا السن، ليجد نفسه في قضية تحوز اهتمام وسائل الإعلام، فرأى أن يخطف الانتباه باتهام مثير، سيجعل الصحافة الجادة تتخلى عن جديتها، وتتحول لصحافة صفراء، بعد أن رفع عنها الحرج، فالاتهام المثير أكده حكم قضائي، وليست رواية لأديب قرر أن يلفت الانتباه إليه بكلام في الجنس.

كان بيننا صديق مشترك، نقل لي الأجواء التي كتب فيها الحكم القاسي، ولم يكن مدفوعًا بذلك من أي شخصية نافذة، فلم يصدر حكم الإدانة بتوصية من “صفوت الشريف”، أو من “كمال الجنزوري”!.

في إحدى الجلسات، افتقد القاضي للياقة، وخاطب نجل “المدعى عليه” ربما “استظرافًا” بقوله: إياك أن تكون مثل أبيك؟

وهو كلام يكشف عن أنه كون عقيدة قبل الفصل في الدعوى، ويستدعي أن ترد على أثره الدائرة، أو أن يتنحى القاضي من تلقاء نفسه استشعارًا للحرج!.

الرد من الابن وإن كان عاديًا، لكنه جاء بطريقة حادة، اعتبرها القاضي أنها نالت من هيبته أمام وسائل إعلام!.

قال له: أنا يشرفني أن أكون كوالدي!.

شهوة الانتقام

ما نقله الصديق، نقلًا عنه، أنه جلس في “بالكونة” شقته، وأمسك “الأرجيلة” بيد وباليد الأخرى أمسك بالقلم، وكلما تذكر ما قاله الشاب الذي لم يحافظ له على مقامه الرفيع أمام الصحفيين، يتميز غيظًا، فيأخذ نفسًا، و”يخبط اتهامًا”، إلى أن وصل عند قوله: “لقد مارس أقدم مهنة عرفها التاريخ وهي القوادة”، عندها يقول الراوي نقلًا عنه: هدأت نفسه وشعر بالانتصار!.

هذه القصة على طولها، ذكرتها لأن الأمور تبدو عادية على السطح، لكن الدخول في الدهاليز يؤكد أنها ليست بهذه البساطة، وما سقته في حالة الضابط المتهم بالقوادة، وما اعتبرته يمثل حصانة له فيجعل الاتهام الموجه له صحيحًا، يمثل سببًا كافيًا لأن يلعب الفأر في صدورنا، كناية عن الريبة، فهل صحة الوقائع يمكن أن تدفع سلطة الانقلاب في أي درجة من درجاتها للعصف بسمعة واحد محسوب عليها، ويمثل أداة كافية لهزيمتها وتقديمهم للناس على أنهم مجموعة من القوادين والمنحرفين أخلاقيًا، وإذا كان رب البيت بالدف ضاربًا.. والشطرة الثانية من البيت معروفة!

ما أفكر فيه، أن خلية 30 يونيو انشطرت، ولم يعد المكونين لها على قلب رجل واحد، ولدى كل فرد فيها إحساسا أنه أعطى ولم يأخذ، فما الذي يمنع من أن يكون “فهمي بهجت” وقد تضخمت ذاته وتملكه الإحساس بأنه فاعل أصلي ولم يحصل على شيء، أن يكون قد تجاوز حدوده بالحديث عن السادة الجدد، أو أنه تقرب من آخرين تعاديهم السلطة الحالية مثل سامي عنان، وأحمد شفيق، فقيل: على نفسها جنت براقش!.

ليست لدي رغبة لتبرئة ساحته، فكل الاحتمالات مفتوحة، لكن ما شغلني حقًا هو هذا التغير الذي جعلني احتفي بفضيحة كهذه، لتأكيد الانحراف الأخلاقي لجماعة الانقلاب، مع أن الانحراف السياسي جريمة تفقد الثقة والاعتبار أيضًا.

يا له من انقلاب غير من طبيعة المصريين، وجعل “اللدد” في الخصومة يطغى على أي قيمة، وهدد منظومة القيم والتقاليد المتوارثة والتي تحكم المصريين وتمثل هويتهم الأخلاقية.

“تطلع على ظهرك يا شيخ”.
………………………………….
نقلا عن: “عربي 21”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …