‫الرئيسية‬ مقالات إعلام العار: أوضاع مُخلةٌ بشرف المهنة
مقالات - مايو 7, 2015

إعلام العار: أوضاع مُخلةٌ بشرف المهنة

من حيثُ المبدأ، شىءٌ جميلٌ أن ينتفض الناسُ ضد ما يسمونه إعلام العار، شهادةُ الناس هى القولُ الفصل، المشاهد أو القارئ لم يعد سلبياً، انتهى زمانُ المتلقى السلبى، وهذه هى الخطوة الأهم لترشيد سلبيات الإعلام، كل الإعلام، القديم منه والجديد، المعروف أصله وفصله، والطارئ منه واللقيط.

نحنُ- الصحفيين والإعلاميين- نُسىء استخدام هذه النعمة التى بين أيدينا، نتوهم- بالخطأ- أننا نملك المساحات الورقية أو الهوائية التى نشعلها بالكتابة أو بالبث الإذاعى أو التليفزيونى، نحنُ وما نكتب وما نذيع وما نصور ملكٌ للناس الذين نخاطبهم، وهؤلاء الناس لهم عقولهم وقلوبهم وأذواقهم وضمائرهم، والأخطر من ذلك: هؤلاء الناس يملكون القدرة على الارتفاع بنا إلى السماء، ولديهم القدرة على أن يُلقوا بنا فى أقرب سلال المهملات.

أرقامُ التوزيع تقول إن الصحافة المطبوعة تتراجع، إقبالُ القارئ عليها يتناقص، إحساسه بجدواها وصل إلى حدود الاستغناء عنها دون أن يخسر شيئاً. ومثل ذلك، بل أكثر فيما يتعلق بالإعلام التليفزيونى، انصراف جماعى عن البرامج، توافق عام على أن هذا الإعلام لا يمثل الناس، ينفصل كل يوم عن الواقع، يتفلت كل يوم من الأخلاق، هو فى وادٍ والناسُ فى وادٍ آخر بعيد.

نبهتنى زميلةٌ عزيزةٌ إلى برنامجين، أحدهما عن المتحولين من جنس إلى جنس، وآخرهما عن زنى المحارم، كلاهُما بلغ ذروة الإسفاف والانحطاط، لم أستطع مشاهدة أكثر من دقائق معدودة فى هذا وذاك، هالنى كم تهتكت براقعُ الحياء، واستغربت: هل هؤلاء الزملاء الذين يقدمون هذا الانحطاط مُقتنعون بما يقدمون، هل ضمائرهم مطمئنة، أليس لهم أهل وأصدقاء وعائلات يشاهدونهم فى هذه الأوضاع المُخلة بشرفهم وشرف مهنتهم وشرف بيوتهم وشرف مجتمعاتهم؟!

لكن من باب الإنصاف وجب القول:

رقم واحد: إعلامُ العار لم يبدأ من اليوم، ولم يبدأ من قضايا الشرف الجنسى، ولكنه بدأ قبل ذلك، بدأ من قضايا الشرف السياسى.

رقم اثنين: نحن سكتنا، بل رضيناـ بل شجعنا إعلام العار، حين كان ينتهك الشرف السياسى، مادام ذلك لمصلحتنا، ويؤسفنى القول: إعلام العار السياسى بلغ ذروته فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، ورغم أن المنافس كان وحيداً، وكانت فرصته ضعيفة، فإننا لم نتورع عن استئصاله ونسفه وإبادته بصورة تخلو من أى شرف أو مروءة، ولولا أنه رجل مسيس بالطبع والغريزة، ولولا أنه مدرب على احتمال الأذى، لكان قد انسحب، ولكانت الانتخابات انتهت إلى استفتاء محض على مرشح واحد ووحيد.

رقم ثلاثة: إعلام العار بنوعيه: مَن ينتهك الشرف السياسى ومن ينتهك الشرف الجنسى، كلاهما المولود الشرعى لحقبة الانحطاط العام التى نعيشها، حقبة سقطت فيها الهمم، وخارت فيها العزائم، وتصاغرت فيها المطامح، وتسيد فيها الصغار، وانشغلنا فيها بالصغائر، فلا مجال لفكرة عميقة، ولا مجال لمناقشة هادئة، ولا مجال لتحكيم العقل والمنطق.

رقم أربعة: العمل السياسى الجاد يصطدم بحائط مسدود، فى مسار يقوده الحاكم الفرد، ينتقل بنفسه وبالبلد من غموض إلى غموض، ومن مجهول إلى مجهول، ومن ظلام إلى ظلام أشد، فى هذا المناخ المريض يذهب الإعلام ليقتات من صناديق الزبالة، وليرتوى من مستنقعات العفونة، وليغرق فى بِرَك الفضائح الملونة والمصورة بألوان الجنون وظلال الهزيمة.

رقم خمسة: انتكاسةُ الإعلام المصرى هى الترجمة الفورية الدقيقة لانتكاسة السياسة المصرية. السياسة امتنعت أو عجزت عن إعادة هندسة فضاءات الدولة والمجتمع والثقافة والاقتصاد، فتسربت الفوضى إلى كل مجال، بما فى ذلك الإعلام، مشكلة الإعلام أنه مكشوف على الناس أكثر من غيره، لكن ما يحدث فى الإعلام يحدث مثله فى كل تفاصيل الحياة اليومية وفى كل المرافق والمؤسسات.

آخرُ الكلام: فى البدء كانت السياسة، أصلحوها ينصلح لكم الإعلام، وتنصلح لكم كل الأحوال.

———–
نقلا عن موقع “المصري اليوم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …