‫الرئيسية‬ مقالات متى يقيم العرب دولتهم الكبرى ؟
مقالات - مارس 20, 2015

متى يقيم العرب دولتهم الكبرى ؟

كواحد ممن ولدوا فى ١٩٨٠ لم أرَ أنا وجيلى من القومية العربية سوى أغنية (وطنى حبيبى الوطن الأكبر)، التى جمعت نجوم الغناء بالوطن العربى فى الستينيات. وظلت حاضرة فى ذاكرتنا التى لم تعاصر أيام المد القومى والحقبة الناصرية، التى تبنت هذا الاتجاه دون أن تصنع فيه تراكما إيجابيا بل للأسف راكمت ذكريات سيئة بدءا من انفصال السودان عن مصر ثم حرب اليمن والعداء مع السعودية، والملكيات العربية بشكل عام، والوحدة الفاشلة مع سوريا. وربما لم يتبقَ من ذكريات إيجابية سوى تجربة الجزائر، التى نقرأ عنها ووصلنا منها ما قد نعتز به ونفتخر.
جيلنا نشأ فى مصر على صور ذهنية نمطية تصور لنا بلاد الخليج وليبيا كأماكن لفرص العمل الجيد وعمل (تحويشة العمر) فى نفس الوقت الذى كانت تطاردنا فيه صور سلبية للكفيل ولأصحاب العمل من الأشقاء العرب، الذين صورتهم السينما والحكايات المتواترة كأناس شديدى القسوة يقومون بإهانة المصريين والتنكيل بهم. ولم تتزن تلك الصور المركبة إلا حين أدركنا خطأ التعميم والحكم على الأمور من ظواهرها، ورأينا نماذج إيجابية لمصريين تغيرت حياتهم للأفضل بسبب العمل فى هذه البلاد، ولم يجدوا فيها غير كل ترحيب وإكرام.
ربما كان حظ جيلنا السيئ أننا جئنا بعد قطيعة السادات مع العرب عقب كامب ديفيد، لكن مبارك أيضا لم يستعد حالة الزخم القومى العروبى، وأبرز لحظات التضامن العربى فى عصره كانت مشهد المشاركة فى حرب ضد دولة عربية أخرى هى العراق، التى قامت باحتلال دولة شقيقة لتدشن مرحلة جديدة من الشتات العربى والتيه، الذى ما زلنا نعيش أثاره رغم قيام ثورات الربيع العربى.
•••
السؤال الذى يراود المرء كثيرا وقد يبدو ساذجا وقد يبدو صعب الإجابة فى نفس الوقت، هل من الممكن أن تقوم دولة العرب الكبرى؟ قد يتبادر للقارئ سؤال حول ماهية دولة العرب الكبرى؟ الحقيقة أن خرائط الشرق الأوسط التى رسمها الاستعمار، ويعاد رسمها الآن فى البلاد العربية التى سقطت فى فخ الفوضى هى خرائط لا معنى لها فى إقليم يجمع بينه مقومات متعددة منها الدين واللغة والثقافة والتاريخ ووحدة المصير وكذلك وحدة العدو، فما الذى يجعل قيام دولة العرب الكبرى حلما بعيد المنال؟ تستطيع أن ترصد عدة أسباب لفشل العرب فى بناء كيانهم القومى، الذى يصنع الاتزان أمام مشروعات قومية أخرى كالمشروع التركى والفارسى وغيرهما من المشاريع التى صارت أمرا واقعا فى معادلات التأثير اليوم.
أولاً: عدم إدراك قيمة الوحدة وضرورة بناء كيان جامع يقوم على أسس منطقية وموضوعية وعادلة وعقلانية تراعى الفروقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة.
ثانيا: انهيار الثقة فى إمكانية تحقق المشروع بسبب التجارب السلبية السابقة، التى جعلت من يتحدث عن الوحدة العربية مادة للتندر والسخرية.
ثالثا: عدم وضوح الرؤية تجاه مفاهيم متقاربة لكنها مختلطة بعض الشىء مثل الوحدة أم التكامل أم التضامن أم التعاون، حيث إن مدلول كل كلمة يخلق إطارا ما ويفتح أفق مختلف عن المدلول الآخر ورغم مرور عدة عقود من الزمان ما زلنا نتخبط بين هذه المفاهيم، ولا نعرف ما هو الأنسب والأكثر واقعية.
رابعا: انكسار التيار القومى بشكل عام وتراجع خطابه بعد أن دفع ثمن ارتباطه بأنظمة ديكتاتورية وفاشلة قادت بلادها لنكسات جعلت الشعارات التى كانت ترفعها سيئة السمعة لدى الجماهير التى عزفت عن مشاريعهم البائسة.
خامسا: غياب الزعماء الذين يمتلكون كاريزما تتجاوز الحدود، وتلهم بخطابها تلك المشاعر المكبوتة والدفينة لدى كل عربى يحلم بالوحدة وينتظر تحققها قبل موته.
سادسا: صراع (الأنا) بين الزعامات السياسية والأنظمة التى تخاف من فقدان سيطرتها الداخلية أو تراجع مكانتها وميزاتها ومكتسباتها الحالية والمتوارثة.
سابعا: غياب الديموقراطية الحقيقية كنموذج فى أغلب البلدان العربية التى ما زالت تحكم بديموقراطية كرتونية مشوهة وهذا يخلق خوفا لدى كهنة المعبدمن تفشى عدوى الديموقراطية واالمطالبة بها من دولة لدولة.
ثامنا: الخوف المرضى والذى قد يكون مبررا أحيانا وغير مبرر فى أحيان أخرى من رد الفعل الدولى على نشوء تلك القوة الصاعدة والتى ستغير بلا شك خريطة العالم وتعيد تشكيل تحالفاته وتغيير معادلاته.
تاسعا: استصحاب مفهوم المهزومية وروحها المتأصلة الآن فى كل مواطن عربى ينام ويستيقظ على رسائل سلبية تخبره أنه متأخر عن الدنيا وأنه لا مكان له فى الصراعات الكبرى وأن قدره أن يظل فى دور المتفرج الذى يصنع له من حوله قدره ومصيره وحاضره ومستقبله.
عاشرا: إغفال الطفرة الجيلية الشبابية التى صارت تصبغ أغلب الدول العربية لتجعل الغالبية السكانية للشباب تحت ٣٥ سنة والذين يختلف تكوينهم النفسى والفكرى عن آباءهم وأجدادهم وقد يتعاملون مع فكرة الوحدة بروح عصرية مختلفة تجعلها قريبة المنال وواقعية للتطبيق.
•••
فى ظل صعود مشاريع إقليمية تعتمد القومية وأحيانا المذهبية الدينية كمرجعية وفى ظل تصاعد التحديات التى صارت تهدد الأمة العربية نحتاج إلى نسخة جديدة من المشروع القومى تتسم بالحداثة والعصرية وقراءة الواقع، لذلك فالنقاش حول تفاصيل دولة العرب الكبرى لا بد أن يعود بلا شعارات ولا جعجعة بل بمنطق ورؤية.

 

………………………………………………….

 

 

 

نقلا عن: “الشروق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …