‫الرئيسية‬ مقالات أصاب الإخوان وأخطأت النهضة
مقالات - ديسمبر 25, 2014

أصاب الإخوان وأخطأت النهضة

أخطأت حركة النهضة في تونس بأن تركت الساحة للتيارات غير الإسلامية متخيلة أن في ذلك حفاظًا على الحركة والجمهور، وهذا خطأ جسيم؛ لأن التيارات غير الإسلامية لن تترك الساحة أبدًا؛ لأنها تعتبر معركتها معركة وجود، وليست مجرد خلاف في الرأي، كما أنها لم ولن تترك الحركة الإسلامية في حالها، كان المفروض ألا تتخلى حركة النهضة عن الشارع وتترك الساحة، سواء في الحكومة أو في الانتخابات الرئاسية للتيارات غير الإسلامية، بل كان عليها أن تخوض الانتخابات الرئاسية بمرشح لها، حتى تخرج أعداء الإسلام من جحورها في تونس وتكشف أنصار وعملاء الخارج وأعداء الداخل التونسي، فهذا كان سوف يفيدها كثيرًا جدًّا في مسيرتها كي تتسلم زمام الأمر في تونس، فقد كان الأعداء سوف يظهرون على السطح مما يسهل معرفتهم والتعامل معهم، كانت سوف تكشف المال العربي السعودي الإماراتي الفاسد الذي يحاول بكل وسيلة أو آلية لمنع الشعوب العربية من استعادة سيادتها وحرياتها وكرامتها.

إذا كان هذا حال أعداء الإسلام والشعوب التصميم والمصابرة لبلوغ هدفهم في الهيمنة والسيطرة ومحاربة الإسلام والشعوب، فإن هذا المنهج أحرى وأولى به التيارات السياسية الإسلامية، ومنها حركة النهضة.

ولكن حركة النهضة خافت من الضغوط التي مثلتها ومارستها التيارات غير الإسلامية في وسائل الإعلام كافة، وهذا من الأخطاء التي تقع فيها الحركات الإسلامية ترك الساحة للتيارات غير الإسلامية بمجرد ظهور بوادر مواجهة بينها وبين التيارات غير الإسلامية المدعومة من الخارج؛ فهم عملاء الخارج وأعداء الداخل، على الأقل كان من المفروض أن تقف خلف المنصف المرزوقي، لا أن تتهرب من المواجهة التي كانت غيرت وجهة تونس بعدم عودة النظام السابق انتصار الثورة التونسية بدلاً من هزيمتها وعودة النظام الفاسد السابق بكل رموزه وسياساته التي جرت على الشعب التونس الفقر والجهل والمرض.

هذا خطأ جسيم سوف تدفع الحركة الإسلامية التونسية كثيرًا كثيرًا جدا من التضحيات بدون أي مكسب سياسي، بل الخسائر سوف تتوالى وسوف تتورى الحركة للخلف كثيرًا جدًّا.

أصاب الإخوان عندما صمدوا في الشارع ولم يتركوه للتيارات غير الإسلامية، فالجماعة مطاردة من قبل بالاعتقالات والقتل والقنص منذ نشأتها، وهي تدرك أن هذه التيارات لن تتحرك لها الساحة لأنها مدعومة من قبل ملة الكفر كلها، لذلك أصرت على الوجود في الشارع، وحسنًا فعلت، وقد كسبت كثيرًا جدًّا جدًّا من هذا الوجود. من ذلك أظهرت للشعب أن المؤسسة العسكرية هي سبب الفساد في مصر، وليست التيارات الإسلامية، وأظهرت أن المؤسسة العسكرية وحكم العسكر سبب التخلف والفقر والجهل والمرض في مصر، وأن هذه المؤسسة ليست وطنية، حتى أصبح رجل الشارع العادي يترك تمامًا أن بداية الإصلاح الحقيقي في مصر، يتمثل في ترك المؤسسة العسكرية تمامًا للمجال السياسي والاقتصادي، كما تبين أن هذه المؤسسة غير وطنية وأنها أقرب للعدو منها للشعب، لذلك يصمم الشعب حاليًّا على عودتها للثكنات تحت قيادة مدنية وطنية خالصة.

وكسب الإخوان أن أدرك الشعب تمامًا حقيقتها أنها جماعة إصلاحية وطنية إسلامية لديها من القدرة والقيادة ما يمكنها أن تقود التنمية الحقيقية لمصر في كافة المجالات، وأنها تتخذ من الإسلام وسيلة ومنهجا لذلك.

وأن الشعب أدرك تمامًا أنها جماعة وطنية إسلامية وليست إرهابية وتم تبرئتها من كافة التهم التي اتهمت بها من قبل كافة الأنظمة السابقة وتلك دعاية ليست محلية في مصر فقط بل في المحيط الإقليمي العربي وفي المحيط العالمي، حتى أدرك العالم أنها ليست جماعة إرهابية بل إصلاحية على منهج النبوة والإسلام.

وأثبتت أن لديها برنامجًا إصلاحيًّا حقيقيًّا يعتمد على الذات، وليس على المنح والقروض من الخارج يمكن من خلاله عمل تنمية حقيقية، وأن مشكلة مصر تنحصر في الإدارة وليس في الموارد، وأن مصر تملك من الموارد والكفاءات البشرية ما يمكنها من قيادة مصر والمحيط العربي للقمة.

كسبت أيضا الشعب المصري الذي أخذ ثقة في نفسه أن الإصلاح، وعودة مصر لقيادة الأمة العربية والإسلامية ليس مستحيلاً، بل هو ممكن جدًّا بدون حتى الاعتماد على قروض أو منح أجنبية تجعل مصر فريسة الهيمنة والسيطرة الغربية خاصة الأمريكية، كما اتضح أن مصر لديها كافة الإمكانيات الاقتصادية التي تمكنها من استعادة مكانتها وسيادتها واستقلالها، وأن المانع الوحيد في ذلك هو الإدارة وليست الموارد وأن الإدارة العسكرية للحكم والاقتصاد في مصر يشكلان المانع الوحيد من عودة مصر قوية، كما كانت من قبل؛ مما غرس في نفوس المصريين أنه لا خلاص من وضع التبعية والهيمنة إلا بإبعاد المؤسسة العسكرية والعسكر عن المجال السياسي والاقتصادي.

كما أن صمود الإخوان وعدم تركهم الشارع للتيارات الغير الإسلامية كشف أن الأجهزة التي تطلق على نفسها الأجهزة السيادية تقف حجر عثرة في طريق عودة مصر قوية مستقلة حرة تملك قرارها وغذاءها، وأن هذه الأجهزة عملاء للخارج وأعداء للداخل. فقد تبين مدى إجرام الشرطة في حق الشعب وخاصةً جهاز أمن الدولة، وتبين كمّ الجرائم اللا إنسانية التي ارتكبها هذا الجهاز في حق الشعب المصري منذ انقلاب عام 1952م، لذلك يجب إنشاء شرطة مدنية بديلة عنها، وهذا ممكن لوجود الإمكانات البشرية المؤهلة قانونًا لذلك.

كما أدرك الشعب المصري لحقيقة القضاء في مصر، وأنه ليس قضاءً مصريًّا بل هو شريك وفاعل أصلي في كافة الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب المصري، وأنه سلم إرادته وعقله وقراره لأعداء الوطن، مقابل بعض الامتيازات المالية الزائفة والزائلة، لذلك يجب تطهيره وتكوين قضاء نزيه مستقل، بعيدًا عما هو موجود، وهذا من الممكن جدًّا، لوجود من هم أكفأ ممن يتولون القضاء الآن.

كما كشف هذا الصمود خيانة وعمالة كل من المهزوم دائمًا عبد الناصر وأنه لم يكن في يوم من الأيام زعيمًا بل عميلاً وخائنًا وأن السادات ومبارك سارا على درب الخيانة والعمالة كما كان المهزوم دائمًا عبد الناصر.

لذلك يمكن استخلاص حقيقة مهمة جدًّا هي إدراك الشعب المصري لحقيقة المؤسسة العسكرية، وفساد حكم العسكر، وحقيقة الحكام منذ محمد علي حتى الآن، وبذلك عرف الشعب الطريق الصحيح بعد أن فاق من الغيبوبة التي أدخلته فيها المؤسسة العسكرية بالاتفاق مع الإعلام الفاسد والمشخصتية الذين يقال عنهم فنانون؛ حيث تبين أنهم شركاء في الفساد والإجرام، وأن مصر لن ولم يصلحها إلا الحكم المدني.

وتلك أهم وأخطر حقيقة عرفها الشعب المصري على مدار تاريخه الطويل، لذلك فهو يسعى جاهدًا رغم القتل والقنص والاعتقالات على استعادة قراره وسيادته واستقلاله من حكومات الاحتلال وحكامه عن طريق ثورة سلمية لم يخدع فيها مرة أخرى من المؤسسة العسكرية التي تحاول بكافة سبل الإجرام والطرق الخادعة في إدخال الشعب لحظيرة الهيمنة وغيبوبة عن الواقع، ولكن الواضح أن الفشل كان حليف قوى الشر والشياطين من المؤسسة العسكرية والأجهزة السيادية حتى الآن، وأصرت “الإخوان” على (لا تراجع عن الثورة ولا تفاوض على الدماء ولا تنازل عن الحقوق كافة).

وعلى أن (الانقلاب سيظل انقلابا، والقاتل سيظل قاتلا، والشعب سيواصل هزيمة الخوف بعون الله، والثورة مستمرة حتي تعود مصر حرة، ولن تغير من الحقائق أي إجراءات ولن يفلت من القصاص أي مجرم، إنهم (وهم يرصدون تحركات ذلك الحلف الاستعماري المغرور لقمع معركة الحرية في المنطقة بغية استمرار العبودية والتخلف والتبعية والإرهاب والترويع، فإنهم يعاهدون الله عز وجل ثم شعوب الأمة على استمرار التقدم والتضحية وصف الصفوف حتى تنتصر إرادة الحق على إرادة الزور والعدوان وتخفق راية العدل في العالمين).

لذلك فالمعركة في مصر معركة وجود حياة أو موت للتيارات غير الإسلامية وعلى رأسها مؤسسات النظام القديم وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والتيارات الإسلامية في مقدمتها الإخوان المسلمون لذا لا تراجع ولا استسلام فإما النصر أو الشهادة.

…………………………………
د. السيد أبو الخير: خبير فى القانون الدولى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …