‫الرئيسية‬ مقالات “حذيفة زوبع”.. وكل “حذيفة زوبع”!
مقالات - ديسمبر 11, 2014

“حذيفة زوبع”.. وكل “حذيفة زوبع”!

كانت رسالته إلى قيادات الإخوان، وضد قيادات الإخوان، في نفس الوقت، ولولا احتفاء “صحف الثورة المضادة” بها لاعتبرتها شأنًا إخوانيًّا داخليا، وعراكًا بين “البصلة وقشرتها”، وقد نهى المثل المصري الدارج عن الدخول في الشأن الخاص بين “البصلة” و”غلافها” لسبب يعرفه المصريون جيدا.

فلولا هذا الاهتمام المبالغ فيه، من قبل إعلام “الانقلاب العسكري”، لكان اهتمامي بالرسالة التي كتبها نجل صديقنا حمزة زوبع، “حذيفة” لا تخرج عن إطار الاهتمام المهني العام، إذ انصب اهتمامي منذ بداية عملي بالصحافة، على الحركات الإسلامية، وأجريت حوارات مع نجومها وقادتها لم تبدأ بالشيخ حامد أبو النصر المرشد العام الأسبق، ولم تنته بالشيخ عبد الله السماوي.

بيد أني بعد هذا أغمضت عينيي لأستريح، وعندما استيقظت من غفوتي، استقر في وجداني أنني لبثت قرنا أو بعض قرن، إذ كانت الانتخابات الرئاسية لأكتشف أن شخصيات مهمة علميا لم يتصل بها، وكان زملائي في الصحيفة التي أترأس تحريرها، يذهبون لمتابعة أخبار غرفة عمليات الإخوان، فأسمع عن مشاحنات جرت بينهم وبين من في حملة المرشح الدكتور “محمد مرسي”؛ لعدم فهمهم لطبيعة العمل الصحفي، وللتعالي المفهوم، فلا أعرف بمن أتصل لتسهيل مهمة الزملاء، فمن هؤلاء القوم؟!.

بعد ذلك، اكتشفت أن الفريق المحيط بالرئيس محمد مرسي لا أعرف منه أحدا، فأيقنت أن هناك أمورا كثيرة جرت في غفوتي، والتي لم تكن مجرد غفوة، ولكن من الواضح أنني كنت في حكم “أهل الكهف”، وأمام الجهل بالمشهد، فقد توقف اهتمامي بالتفاصيل داخل الجماعة، وإن كان اهتمامي وللاعتبارات المهنية لم يتوقف عن متابعة الأحداث الجارية، ولم أكن على اتصال بهؤلاء الذين لا أعرفهم، وفي المرة اليتيمة، التي دعيت فيها للقصر الرئاسي بصفتي، وجيء لنا بأقداح الشاي بعد نضال، وإذا بها لا تُرى بالعين المجردة، ولا تتسع إلا لجرعات من الشاي الذي بدا لي أنه دواء، وجدت زميلنا صلاح عبد المقصود، فتبدد إحساسي بالغربة، وطلبت منه التدخل بما له من نفوذ بحكم كونه من الإخوان، فيأتي لنا بجرعة سكر، فوعدنا ولم يف بما وعد!.

وكلما قرأت عما ينشره إعلام “الثورة المضادة” عن آلاف الجنيهات التي كان يبددها مرسي يوميا على الأكل والشرب في القصر الجمهوري، كنت أتذكر هذا المشهد البائس، عندما كان يتم استخدام أقداح الشاي التي كانت تستخدم في “دوار” لمرشح لعضوية مجلس النواب في بلدتي، وكان الناس يتندرون لقزميتها، فيقولون إن شقيقه الثري البخيل، قد ذهب للمصنع الذي ينتجها وطلب منه هذا الحجم خصيصا، فصنعوه له وحده.. يبدو أن هذا المصنع تعامل معه الإخوان المسلمين!.

في رسالته، المحتفى بها في “صحف الثورة المضادة”، الصادرة، يوم الإثنين 8 ديسمبر الجاري، حمل الفتى “حذيفة زوبع” على قيادات الجماعة واتهمها بالكذب وبالعجز، وكان واضحا أنه ليس مهتما كغيره من شباب الإخوان الغاضب بإحداث تغييرات داخل الجماعة، يتم فيها تمكين الشباب من أن يكون عقلها المفكر، ودفع القيادات كبيرة السن للتقاعد.

ولكنه مع حل الجماعة، ربما لأن الدعوة الشائعة، لا تضيف جديدا للصبي “حذيفة”، فليس من الشباب، وقد سألت عنه فقيل لي مرة، إنه تخرج حديثا في الجامعة، ومرة إنه لا يزال طالبا، لذا فقد رأى أن الحل هو القرار السليم!.

اللافت في الرسالة الغاضبة، أن كاتبها جمع كل ما يراه سلبيا ونسبه لقيادات الجماعة “كبار السن”، بما فيه القول (أن الانقلاب “يترنح”)، وهي عبارة لم يقلها القوم.

وبما فيها أيضا، أن ضابطا في المجلس العسكري انشق، وأن الأمريكان يصفون ما جرى في مصر بـ “الانقلاب العسكري”، وعليه فقد أقام الحجة في ملحمته على أن القيادات كذبت على القواعد التي تثق فيها، وكانت النتيجة أنها أوردتها مورد التهلكة، وقادت الجماعة لـ “الضياع”.

ولا حل لهذا الإشكال إلا بالحل، بعد أن صارت الجماعة ألعوبة في يد أجهزة الاستخبارات، من وجهة نظره!.

يمكن لمثلي أن يفهم رسالة “حذيفة زوبع” في هذا السياق:

أولا: إنها تدخل في إطار صراع الأجيال، ودائما فإن جيل الشباب يكون حانقا على الأجيال السابقة له، ولي كتابات في شبابي ساخرة من “كبار السن” الذين يسيطرون على المشهد السياسي والصحفي، ولفترات طويلة، ليس أولها مقالي في “حضرة المصريين القدماء” في وصف لجنة الأحزاب برئاسة الدكتور مصطفي كمال حلمي، ومقالات السخرية من “عبد الله إمام” رئيس تحرير جريدة “العربي” السابق، وكان رئيس تحريري في صحيفة “الأحرار” الدكتور صلاح قبضايا لا يمل من القول أنه لا يجد معنى للاحتكام لشهادة الميلاد، لمجرد أنني ولدت بعده!.

ذات مرة رأيت في نقابة المحامين عددا من رجال دولة عبد الناصر، كنا في الشتاء وكان يوما ممطرا، وكانوا يرتدون ملابس ثقيلة، وقد انحنت ظهورهم، فكتبت مقالا يحمل تساؤلا مهما: “ألم يمت هؤلاء القوم من قبل؟!”.

عندما أتذكر الآن هذه المقالات، وحجم السخرية فيها، فإنني أقول إن شيخوختي، إن أمد الله في عمري، لن تكون مريحة، على قاعدة “كما تدين تدان!”.

ثانيا: هناك أزمة نفسية يعاني منها أبناء المشهورين، ومبدأ أبنائهم، إن كانوا يبغون ممارسة عملا من الأعمال المرتبطة بالشهرة والنجومية، تدور حول فكرة “لن أعيش في جلباب أبي”، فإما أن يجهروا بالخلاف، ليؤكدوا أنهم أصحاب شخصيات مستقلة، وإما أنهم يعملون على إخفاء تراث آبائهم، إن كان حظهم جيدا، ولمعت نجوميتهم في موت الآباء.

وهناك حالتان جديرتان بالدراسة وتؤكدان المعنى الأولى: حالة عبد الرحمن “يوسف القرضاوي”، والثانية: حالة حازم “صلاح أبو إسماعيل”، مع بالغ الاحترام لهما.

ثالثا: إنه بالرغم من أنه من الممكن فهم بواعث الرسالة سالفة الوصف فيما سبق، فإنها أزمة كاتبها تتضاعف الآن، عندما يقف على أن الاهتمام الإعلامي بها، مرده إلى أن كاتبها هو نجل القيادي الإخواني “حمزة زوبع”، والعناوين العريضة لها، جاءت لتروج لها على أن كاتبها هو “ابن” حمزة زوبع القيادي الإخواني.

وإن كانت معلوماتي أن “زوبع” ليس قياديا إخوانيا ولكنه قيادي في حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسي للجماعة.

لا أرى في احتفاء “صحف الثورة المضادة” برسالة “حذيفة” ما يسيئ إليه، فالملاحظ أن جماعة الإخوان، بكل الحديث عن فشلها، وترهل قياداتها، وتلاشيها تماما، إلا أنها لا تزال تمثل أزمة للانقلاب العسكري، تستدعي أن ينشغل “إعلام الموالاة” بالبحث عن كل ما يسيئ لها ويشوهها، وإن كان لا يصب في مصلحة الانقلاب المباشرة، وإن كان صاحبه هو الطرف الأكثر عداء للانقلاب!.

لقد احتفى زميلنا “حمدي زرق” باستقالة “مجدي أحمد حسين” وانسحابه من “تحالف دعم الشرعية”، الذي صار من وجهة نظره ليس معنيا سوى بقضية واحدة، وهي “عودة مرسي”، مع أن الرسالة تريد للخصومة مع الانقلاب أن تأخذ شكلا آخر من المواجهة الموجعة، فضلا عن أن “مجدي” يرى أن الخلاف ينبغي أن يمتد ليكون ضد الهيمنة الأمريكية والصهيونية.

هذا الاحتفاء مرده إلى أن أزمة سلطة الانقلاب في الإخوان، وليس في غيرهم، ولو كانوا أصحاب مواقف أكثر حدة، وعداء لا يقبل المهادنة.

والأمر يرجع هنا للتأثير في الشارع، وأصحاب المواقف الأخرى على مثاليتها لن يجدوا ظهيرا شعبيا يمكنهم من التعامل مع الانقلاب برؤيتهم الأكثر إيلاما.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن رؤية “مجدي أحمد حسين” هي الأكثر وضوحا وشمولية، من الرؤى التي يقدمها “شباب الإخوان” والتي تبدو أنها عناوين، تفتقد للمتون!.

من الشباب، من انشقوا عن الجماعة، لكنهم لا يزالون يعيشون في جلبابها، ينامون ويقومون وهم يتحدثون عن شيخوخة الجماعة، التي هي من نتاج شيخوخة قياداتها، دون أن يعلن المنشقون عن رؤاهم الإبداعية، التي يمكن أن توقف “حركة الكون!”.

فالشيطان يكمن في التفاصيل، ولهذا فإن هؤلاء الشبان يعملون على الهدم دون طرح رؤاهم للبناء، ربما لأنهم يعلمون أن مجرد طرح تصوراتهم فإنهم يكونوا قد كتبوا نهايتهم بأنفسهم، فيتركون الناس للاعتقاد الطبيعي في مثل هذا الخلاف، فالشباب لأنه ثورة، لا يعجبه الإغراق في السلمية، و”كبار السن” لأنهم حكماء فإنهم يرفضون العنف، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق!.

لقد هاجم “زوبع الابن” الجماعة، ورمى قيادتها بكل نقيصة، ووصل به الحال إلى أن دعا لحلها، دون أن يطرح رؤيته للتعامل مع الخلاف مع الانقلاب!.

وبصراحة، لم يقل ما هو “التعامل المبدع”، الذي لا يقدر عليه قيادات الجماعة، لأن كلا ميسر لما خلق له، هل هو يرى ضرورة طي صفحة “سلميتنا أقوى من الرصاص” ؟.. أم يريد المصالحة مع الانقلاب، والرضا بالقليل وحقن الدماء، والحفاظ علي وجود الجماعة في المشهد السياسي بأي قدر؟!.
الإجابة على السؤال هي “مربط الفرس” و”بيت القصيد”.

لقد قرأت رسالة “حذيفة زوبع”، ولم أفهم طلباته على وجه الدقة، غير أنه يدعو لحل الجماعة، إذن فليعتبرها “محلولة” ويتصرف.

بيد أني أعرف طلبات آخرين، لا يعلنونها بشكل صريح على العامة، وإن كانوا يجهرون بها في جلساتهم الخاصة، وهي على غير ما يفهم البعض، فهم يريدون المصالحة مع سلطة الانقلاب، و”يا دار ما دخلك شر!”.

بعضهم انشق عن الجماعة بالفعل ولم يعد ضمن سياقها التنظيمي، ومع هذا هو مشغول بتبكيت القيادات، مع أن علاقته بها قد انقطعت، وصار في حل من قرارات العجائز، الذين لا يريدون الصلح، ولا يبغون في هذا السن المتقدم بأن يعيشوا في دعة وأمان!.

المنطق يقول إن من انقطعت صلتهم بالجماعة، عليهم أن يعلنوا رؤيتهم ويذهبوا هم ليتصالحوا مع الانقلاب، ولا يشغلوا بالهم بمن قست قلوبهم، ويصرون على المواجهة! وهنا تجهر المشكلة بأسبابها.

في بداية الحراك السياسي في سنة 2004، أطلقت الجماعة نفرا من شبابها، لينضموا للحركات السياسية الوليدة، فتأثروا بالجو المفتوح، فمنهم من غادر الجماعة في هدوء، ووجد نفسه في مجال بعيدا عنها مثل “محمد عادل” عضو حركة “6 إبريل”، ولم تعد الجماعة موضوعه، ومنهم من لم يقدر على ذلك، وظل يختلف مع الجماعة لكنه مستمر في عضويتها.

بعد الثورة، دفعت الجماعة ببعض شبابها للاشتراك في ما أطلقت عليه أنا مبكرا “ائتلافات الوجاهة الاجتماعية”، وهي التي كانت تضم الشباب المنتمي للحركات والأحزاب السياسية، والذي أراد خطف ثورة لم تنتج زعامات، وإنما أفرزت مطالب والحديث باسمها، بعد أن تنحي مبارك، وانفض المولد!.

كان دور هذه الائتلافات هو تمثيل الثورة لدى السلطة التي آل إليها الحكم بقرار من المخلوع، ولتدخل الغش والتدليس على الرأي العام، وتروج لأكذوبة “الجيش الذي حمى الثورة”.. كان هؤلاء يخرجون من اجتماعات المجلس العسكري للقاء رئيس الحكومة الذي قالوا إنه جاء من “ميدان التحرير” كذبا وبهتانا، مع أنه لم يكن سوى شخص منتمي لنظام مبارك ولحزبه الحاكم.. أعني عصام شرف!.

وحدثت حالة ورم عام، أصاب كثير من هؤلاء الشبان الذين صاروا في صدارة المشهد السياسي والإعلامي، أو هكذا تصوروا، في حين أنهم لم يكونوا سوى “كومبارس” يؤدون دورا على المسرح يمهد الأجواء لظهور البطل، بعد إثارة انتباه الناس!.

وبعض المنتمين لجماعة الإخوان، أصابهم ما أصاب مختار نوح، الذي قال لقادة الجماعة إنه السبب في نجاح الجماعة في نقابة المحامين، فكان لا بد من درس قاس، فتم تجميد عضويته في التنظيم، والدفع باثنين من المغمورين لاستلام الملف، هما جمال تاج ومحمد طوسون، فنجحت قائمة الجماعة في انتخابات المحامين، وكانت الرسالة تريد أن تقول لمختار “نحن الذين صنعناك”.

وبعدها دخل نوح في انتخابات نقابة المحامين الفرعية وسقط سقوطا مدويا، أصابه بمرض نفسي، أنتج هذا الخطاب المثير للشفقة أكثر من إثارة الغثيان على فضائيات “الثورة المضادة”، من تأييده للقتل وللمجازر وللقمع الذي ارتكبه ومارسه قادة الانقلاب!.

لقد وجد بعض الشباب أنفسهم بهذا الحضور، أن ما حققوه هو بفضل قدراتهم الخاصة، وأنهم لا حاجة لهم لعضوية في جماعة تقيد حركتهم، فانشقوا عنها وحدث الانقلاب، فوجدوا أن تصوراتهم ليست قائمة على أساس منطقي، فوقعوا في “حيص بيص”.

لقد هاجموا الانقلاب، إذ كانوا يظنون أنه سيسقط سريعا لكنه لم يسقط، فتذكروا الأيام الخوالي، وتمنوا أن تعود، فحملوا على الإخوان؛ لأنهم قاموا بالتصعيد دون أن يمتلكوا “الخلطة السحرية” أو “شربة الخروع”، التي تسقط الانقلاب من أول مرة!.

وما دامت الجماعة لم تكن تملك “شربة الخروع”، فقد ضللتهم وضللت أتباعها، مع أنهم في حل من هذا الخداع الإخواني الاستراتيجي، لكن بعد أن عرف الانقلاب كل إنسان مقامه، وأن معركته مع الإخوان، فكان يتعين على الجماعة أن تهرول للمصالحة، على نحو يعيدهم مرة أخرى لأن يكونوا من جلساء عبد الفتاح السيسي!.

فات هؤلاء، أن السيسي نفسه لا يريد المصالحة، فشرعيته الدولية حصل عليها من العداء للإخوان، ومؤيدوه في الداخل ما كانوا ليؤيدوه لولا حربه على الإخوان، ولو وقفت الحرب وجرت المصالحة، فسوف يفقد قائد الانقلاب شرعية وجوده، وسيفقد أنصاره أيضا.

والأهم من ذلك، أن الشباب الغاضب، سواء المنشق منه، أو من يبقى على شعرة معاوية، لن يعود جليسا للسيسي، فتلك مرحلة قد خلت، والسيسي لم يلتق بقادة جبهة الإنقاذ إلى الآن – رغم طلبهم – وهم الذين أسبغوا شرعية مدنية على الانقلاب العسكري، كما أنه لم يعد يلتقي “شباب تمرد”، الذين أسبغوا غطاء ثوريا على الثورة المضادة.

ونعود لـ “حذيفة”، وكل “حذيفة” إذا كانت الأزمة في جماعة الإخوان، وترون أن الحل في حلها، إذن تعاملوا على أنها حلت وتصرفوا أنتم وأنا معكم.
نقلا عن “عربي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …