‫الرئيسية‬ مقالات تفكيك الأساطير المؤسسة للانقلاب
مقالات - يوليو 7, 2018

تفكيك الأساطير المؤسسة للانقلاب

في العام 2002 صدر باللغة العربية كتاب الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) لخص فيه تلك الأساطير في خمس هي الأرض الموعودة لليهود في فلسطين، و اليهود شعب الله المختار، وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والمحرقة النازية Holocaust، والعقيدة اليهودية والصهيونية السياسية ، وإذا كانت معرفة وتفكيك هذه الأساطير ضرورية لمقاومة هذا الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فإن معرفة وتفكيك الأساطير المؤسسة للانقلاب العسكري على ثورة يناير، ومسارها الديمقراطي، وأول رئيس مدني أنتجته ضرورة قصوى لمقاومة هذا الانقلاب، ومن ثم الخلاص منه.

لقد مر على انقلاب الثالث من يوليو 2013 خمس سنوات، كانت كفيلة بهدم تلك الأساطير، لكننا مع الذكرى الخامسة للانقلاب وجدنا من لا يزال يرددها كلها أو بعضها، والغريب أن بعضهم ينتمي لنخبة مثقفة يفترض أنه أول من يكتشف تلك الأساطير، حتى وإن تساير معها في لحظة تاريخية معينة لخدمتها لعقيدته السياسية.

لقد قام الانقلاب على مجموعة من الأساطير التي نجح عبر أذرعه الإعلامية والثقافية والسياسية في تسويقها، وحشد الناس بها للخلاص من أول حكم مدني عرفته مصر بعد 60 عاما من الحكم العسكري، وكان هذا الحكم المدني (عام واحد) يمثل غصة في حلق العسكر الذين كانوا يعتبرون أنفسهم فقط الأحق بحكم مصر، وهي إحدى الأساطير التي روجها العسكر بطريقة غير مباشرة حتى إن العديد من النخب، ومن القوى الإقليمية الرجعية والحليفة للسيسي تتعامل مع هذه الأسطورة باعتبارها إحدى المسلمات التي لا تقبل الشك( وقد سبق لي تفنيد هذه الأسطورة في مقال بتاريخ 10 يونيو 2018)

من الأساطير التي تم ترويجها على نطاق واسع قبل الانقلاب وكانت هي التمهيد الرئيسي له، أسطورة الانقسام المجتمعي، والحرب الأهلية المحتملة، وأسطورة الإرهاب الذي يتمدد، وأسطورة الانفلات الأمني، وأسطورة أخونة الدولة، وأسطورة الانهيار الاقتصادي، وأسطورة بيع أرض وأصول مصر.

أسطورة الانقسام

ولنبدأ بأسطورة الانقسام المجتمعي، فالمعروف أن كل بلاد الدنيا -خصوصا المتقدمة والتي تتمتع بقدر من الحرية – تشهد تنوعا في المواقف والآراء لمواطنيها، ويظهر ذلك صارخا في الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات، ولا يسمى ذلك انقساما مجتمعيا، وإذا لم تكن هذه الظاهرة عرفت من قبل في مصر فلأنها لم تكن تتمتع بحرية على عكس الوضع عقب ثورة 25 يناير، حيث أصبح كل مواطن يشعر بقيمته وقيمة صوته، فظهر التنوع الذي أقلق الدولة العميقة فوصفته بأنه انقسام مجتمعي.

وزادت بعض النخب الليبرالية بأن هذا الانقسام نشأ مع استفتاء التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، رغم أن هذا التنوع ظهر عقب انتصار الثورة في خلع مبارك، وعقب الخروج من ميدان التحرير مباشرة، وقد برهن منظرو الدولة العميقة على الانقسام المجتمعي لاحقا بحصول مرسي على 52% فقط من الأصوات، متجاهلين أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند فاز بالنسبة ذاتها وأقل منها في التوقيت ذاته لفوز مرسي(2012)، ولم يصف الفرنسيون ذلك بالانقسام المجتمعي لأنهم في ديمقراطيتهم اعتادوا على هذه النسب، بينما اعتادت دولنا العسكرية على نسب التسعات الثلاث، ومن عجب أنه بعد خمس سنوات نجد من لا يزالون يرددون هذه الأسطورة ويمدونها خارج حدود مصر، فحين فاز الرئيس التركي أردوغان بنسبة مماثلة لمرسي(52%) صاحوا بأن أردوغان قسم المجتمع التركي مثل نظيره مرسي!!!

أسطورة الحرب الأهلية

يرتبط بأسطورة الانقسام المجتمعي أسطورة الحرب الأهلية المحتملة، وأيضا أسطورة الإرهاب المحتمل، وقد ظلت الأذرع الإعلامية ومن يوصفون بالخبراء السياسيين والاستراتيجيين الذين كانوا يظهرون في وسائل الإعلام بتنسيق مع الشئون المعنوية والمخابرات الحربية يرددون كذبة الحرب الأهلية المتوقعة بسبب حكم الإخوان، رغم أنهم لم يقدموا أي مؤشر أو دليل على ذلك، فقط الادعاء بأن الشعب لا يقبل حكم الإخوان، رغم أن الشعب هو من منح الإخوان ثقته في خمس استحقاقات متتالية بدأت باستفتاء 19 مارس ثم انتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة ثم استفتاء الدستور في 2012.

والملفت أن الأجهزة الأمنية اصطنعت ورعت محاولات خسيسة لإشعال تلك الحرب الأهلية فعلا عن طريق إطلاق جيوش البلطجية في أماكن كثيرة لمواجهة المتظاهرين السلميين المناوئين للانقلاب، وسمحت لهم بحمل السلاح علانية، ولكن حكمة المتظاهرين السلميين فوتت عليهم تلك الفرصة، وفي السياق أيضا استغل عبد الفتاح السيسي تلك الدعايات المصطنعة عن الحرب الأهلية والإرهاب المحتمل لمطالبة الشعب بتفويضه في (جمعة التفويض26 يوليو 2013) في مواجهة هذا الإرهاب المحتمل.

والغربب أيضا أن ذاك الإرهاب الذي كان في أقل مستوياته قبل الانقلاب العسكري وقبل طلب التفويض ترعرع، وازدهر بعد الانقلاب، ولا يكد يمر يوم دون تشييع ضحايا الجيش والشرطة في مواجهاته بسيناء التي استعدى السيسي أهلها،وهدم منازلهم وهجرهم خارجها، وصنع منطقة عازلة تمهيدا للتنازل عن تلك المنطقة وفاء لما يسمى صفقة القرن.

لا أنكر طبعا وجود إرهاب في مصر، وأرفض هذا الإرهاب، وأحيي النضال السلمي ضد النظام، لكن هذا النظام هو الذي صنع الجزء الأكبر من الإرهاب عبر سياساته الإجرامية، وقمعه للحريات، وتكميم الأفواه، كما أنه يبدو مستريحا لاستمرار هذا الإرهاب الذي يمنحه فرصة البقاء وتلقي المساعدات الإقليمية والدولية، ولا يزال النظام وأذرعه يستخدم فزاعة الحرب الأهلية والإرهاب لتخويف الشعب من أي انتفاضة ضده حتى لا يواجه مصيرا مماثلا لمصير الشعبين السوري والعراقي، رغم أن معاناة الشعب المصري حاليا لاتقل عن نظيريه السوري والعراقي وإن بأشكال مختلفة.

ضباط على الأعناق

في سياق التخويف من الحرب الأهلية المحتملة، أو كتمهيد ضروري لها رتبت القوى العسكرية لحالة انفلات أمني مدار خلال فترة الرئيس مرسي، وأعلن غالبية ضباط وزارة الداخلية وأمنائها امتناعهم عن التعاون مع حكم مرسي، وسمحوا للعصابات الإجرامية بممارسة أعمالها من سرقة ونهب واغتصاب .. إلخ، وهو ما كان يستلزم إجراءً ثوريا قويا من الرئيس مرسي بحق هؤلاء الرافضين للتعاون. صحيح أن الرئيس أحال أكثر من 300 رتبة عليا للتقاعد لكن ذلك لم يكن كافيا، وعلى العموم فقد نجحت تلك المؤامرة في إشعار الكثيرين بضرورة الأمن ولو على حساب حريتهم وكرامتهم، وكل ذلك كان تمهيدا لحمل ضباط الشرطة على الأعناق في مظاهرات 30 يونيو في ميدان التحرير، وقد عادت الشرطة للعمل بكامل طاقتها عقب الانقلاب ما يؤكد فكرة تآمرها من قبل، وما يؤكد أن تقاعسها لم يكن نتيجة قلة الإمكانات بل الرغبة في إفشال الرئيس المدني الذي كان سجينا بحوزتهم قبل وصوله إلى الاتحادية. أسطورة الأخونة أما أسطورة الأخونة فحدث ولا حرج، لقد سرت مسرى النار في الهشيم، وزعمت الأذرع الإعلامية والسياسية أن الإخوان يفرضون منتسبيهم في كل وظائف الدولة، وكان المظهر الأبرز لتلك الفرية هو ما أعلنه حزب النور السلفي أنه يمتلك ملفا كاملا يتضمن أسماء 13 ألف موظف إخواني في مؤسسات الدولة، كانت معلومات هذا الملف واردة من الأجهزة الأمنية بالأساس، وهي في غالبها غير صحيحة، وعلى فرض صحتها فإن رقم 13 ألف موظف من بين 6 ملايين موظف في الجهاز الحكومي هو رقم لا يذكر، ناهيك أن غالبية الأسماء في ذلك الملف كانت لموظفين موجودين بالفعل من قبل ثورة يناير في الجهاز الإداري للدولة. أسطورة الافلاس أما الأساطير الاقتصادية فتمثلت في اثنتين أولاهما: الانهيار الاقتصادي والإفلاس المتوقع، وثانيتهما: بيع أصول مصر للخارج مثل قناة السويس، والتنازل عن أجزاء من سيناء، وحلايب، وبيع مثلث ماسبيرو، وبرج القاهرة، وكان المشتري في كل هذه الحالات هو قطر، وقد كشفت السنوات الخمس الماضية بجلاء كذب تلك الإفتراءات، بل أوضحت أن النظام الحالي هو الذي تنازل فعلا عن جزيرتي تيران وصنافير، وغاز المتوسط، ومياه النيل، وهو الذي غض الطرف عن التحركات السودانية في حلايب، وهو الذي أخلى منطقة ماسبيرو من سكانها، وهو الذي منح الإمارات امتيازات ضخمة في قناة السويس، وغيرها من الموانئ المصرية. وأما التخويف من شبح الإفلاس فترد عليه مقارنة بسيطة بين الوضع الاقتصادي في عهد مرسي (الذي لم يكن مثاليا على كل حال) بالوضع الاقتصادي في عهد السيسي إذ أصبح الوطن رهنا لديون خارجية تجاوزت المئة مليار دولار، وفقد الجنيه المصري ثلثي قيمته، وزادت الأسعار بصورة جنونية استجابة لصندوق النقد الدولي، والأمر لا يحتاج إلى مزيد من الشرح لأنه اصبح معروفا للشعب كله. هذه الأساطير الثمانية التي اعتمد عليها العسكر لضرب ثورة يناير وما أنتجته من حكم مدني، واستعادة حكمهم العسكري لمصر، وقد كشفت السنوات الخمس الماضية أن هذه الأساطير هي صناعة أمنية بامتياز، والرهان الآن على وعي الشعب المصري بعد تبدد هذه الاساطير، وبعد معاناته الشديدة نتيجة تصديقه لها من قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …