‫الرئيسية‬ مقالات شعوبنا التى تصنع طواغيتها بأيديها
مقالات - مارس 8, 2018

شعوبنا التى تصنع طواغيتها بأيديها

يتملكنى العجب والكرب فى آن واحد؛ حين أتأمل حال شعوبنا العربية مع حكامها، رؤساء وملوك وسلاطين، وكيف انقادت تلك الملايين لهؤلاء الأقزام الفاسدين، الذين خلوا من كل المواهب إلا التبعية والعمالة..

والمؤكد أن الحالة العربية ليست الحالة الأولى فى التاريخ فى هذا الأمر، بل هو مرض يصيب الأمم والشعوب التى تفرط فى عقائدها ومبادئها؛ فيجعلها مطية للمستبدين الجبارين، وتجار الدين، والذين يمتهنون الدجل والشعوذة؛ وهذا كله سببه الجهل فى المقام الأول، ثم النفاق وحب المال والسلطة والجاه. ومنذ القدم والمصلحون يواجهون هذا الشذوذ؛ إذ ربما تكون الأغلبية الغالبة لشعب من الشعوب مصابة به، لديها القابلية للانبطاح والخنوع واتخاذهما طريقة للعيش ولو تدنت إلى عيش الأنعام وسلوك مسلكها وطبعها..

وديننا الحنيف برىء كل البراءة من هذه الجبلات المنتكسة، برىء من الجهل، ومن السحر، ومن النفاق؛ وما أرسل المصطفى إلا ليتمم مكارم الأخلاق، وليحرر العبيد، وليساوى بين البشر فلا فضل لعربى على أعجمى، ولا لأبيض على أسود، ولا لرئيس على مرءوس إلا بالتقوى. والحكام فى ديننا أجراء عند شعوبهم؛ يأتمرون بأمرها وينتهون عما نهت عنه، أما وأن الأمر قد انقلب إلى الضد، فهذا وزر هذه الشعوب التى سمحت بالأجراء بأن يتسيدوا عليها، ويستعبدوها، ويجعلوها رهنًا لنزواتهم ورعونتهم..

الخطير فى هذا الأمر أن الشعوب التى ترضى بهذا الدون فلا تأنفه، يصير ذلك خلقًا لها، كالذى أدمن على الشراب -عياذًا بالله- فهى لا ترضى إلا بأن تعطى الدنية فى دينها، فإذا جاءها من يحكم بما يرضى الله وأن يقيم الأمر بالعدل والقسط، فإنها تفر منه بل ربما حاربته واتخذته عدوًا لها؛ ذلك بأنها لم تستسغ حياة الكرامة والحرية، وألفت حياة الذل والضعة؛ ما يقوى شوكة المستبدين، ويستحثهم على الاستخفاف بتلك الشعوب، وسحبها إلى مستنقع آخر تقوم فيه مقام العابد الطائع لهذا الحاكم الإله، كحال فرعون الأمة الذى ساق أمته إلى العبودية كما يسوق الراعى قطعانه الأليفة إلى مواطن الكلأ.

وقد صدق الكواكبى حين قال: «ولكى يستمر الاستبداد ويستقر؛ لا يكفى أن يكون هناك حاكم مستبد أو حكومة مستبدة، بل لا بد من وجود شعب يقبل هذا الاستبداد؛ لأن الاستبداد طريق واحد ذو اتجاهين: الاستبداد، والقابلية للاستبداد»؛ فلا حكم رشيدًا دون شعب يأمر به ويحرسه، ولا حاكم عادلا دون أمة لا تخاف فى الله لومة لائم، وهناك قاعدة لهذا الأمر وردت فى الحديث المشهور: «إذا رأيت أمتى تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم» [الحاكم].

أما السلبية والسكوت عن المظالم والمفاسد فهذا وصم لتلك الشعوب بصفات الإمعية، والغثائية، والطاعة العمياء مما أخبر به المعصوم صلى الله عليه وسلم، الذى أكد لعدى بن حاتم الطائى أن ما يحل به حكام السوء الحرام وما يحرمون به الحلال إنما هو عين عبادة العباد لهم، قال صلى الله عليه وسلم: «… فتلك عبادتهم إياهم» فى سياق تفسير آية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31].

إن ما نعانيه الآن من تسلط الأقزام الجهلة على شعوبنا وحربهم لله ورسوله، هو من صنع أيدى شعوبنا التى ألفت هذا الاستبداد وأدمنته، ولا علاج لها سوى التسلح بالعلم، والتمسك بالدين، والتخلى عن الدنيا، ونبذ الظلم والظالمين، والتضحية بالنفس والمال لنيل ما عند الله أولا، ثم صلاح الحال الذى كثر شره وقل خيره.

ونقتطف بعضًا مما قيل فى هذا الأمر على لسان السيد رشيد رضا، وقد نشره فى «المنار» منذ سنين؛ كأنه يصف حالنا نحن العرب اليوم:

«إن الشعوب التى تنشأ فى مهد الاستبداد وتساس بالظلم والاضطهاد، تفسد أخلاقها، وتذل نفوسها، ويذهب بأسها، وتضرب عليها الذلة والمسكنة، وتألف الخضوع، وتأنس بالمهانة والخنوع، وإذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق موروثة ومكتسبة حتى تكون كالغرائز الفطرية، والطبائع الخلقية، إذا أخرجت صاحبها من بيئتها ورفعت عن رقبته نيرها ألفيته ينزع بطبعه إليها ويتفلت منك ليقتحم فيها، وهذا شأن البشر فى كل ما يألفونه ويجرون عليه من خير وشر، وإيمان وكفر، وقد ضرب النبى > مثلا لهدايته وضلال الراسخين فى الكفر من أمة الدعوة فقال: «مثلى ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها، ويجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها» [رواه الشيخان].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …