‫الرئيسية‬ مقالات متى يتحد “شعبا” مصر؟!
مقالات - أكتوبر 12, 2017

متى يتحد “شعبا” مصر؟!

لطالما سخرنا قولا وكتابة من هذه المقولة التي روجها نظام السيسي ليتمكن بها من إحكام قبضته وهيمنته على مصر والمصريين، مستهلما القاعدة الاستعمارية الشهيرة (فرق تسد).

بغض النظر عن مباراة كرة القدم بين المنتخب المصري والكونغولي والتي أسفرت عن فوز مصر وتأهلها لكاس العالم، وما تبع هذا الفوز من احتفالات صاخبة، شارك فيها البعض ولم يشارك آخرون لأسباب مختلفة، إما سياسية أو اقتصادية أو نفسية إلخ، فقد كشفت تلك الاحتفالات نسبيا صحة مقولة (إحنا شعب وانتو شعب) التي شدا بها المطرب علي الحجار مجسدا سياسة جديدة فرضتها عن وعي سلطة انقلاب الثالث من يوليو 2013، وابتلع طعمها بدون وعي قطاع من رافضي الانقلاب.
لطالما سخرنا قولا وكتابة من هذه المقولة التي روجها نظام السيسي ليتمكن بها من إحكام قبضته وهيمنته على مصر والمصريين، مستهلما القاعدة الاستعمارية الشهيرة (فرق تسد)، ولكننا لم نبذل جهدا كافيا في مواجهة هذه الفتنة التي ظلت تترسخ مع الوقت، وكان الأخطر في الأمر أن قطاعات ليست قليلة من المصريين على جانبي الانقلاب (المؤيدون والمناهضون) أصبحت تنظر لبعضها بهذه النظرة، وإذا كانت أذرع السيسي الإعلامية قد نجحت في زراعة وترسيخ هذه الفكرة لدى قطاعات من أنصاره، فإن الطامة الكبرى أن هذه القناعة موجودة أيضا لدى قطاعات من رافضي الانقلاب، وقد ظهر صوت هذه القطاعات عاليا عقب فوز مصر وتأهلها للمونديال وما صحب ذلك من احتفالات وتهاني قاطعتها هذه المجموعات المناهضة للانقلاب، بل أبدى الكثيرون على صفحاتهم مشاعر سلبية تجاه الفريق القومي، ورغبة في عدم فوزه بحجة أن ذلك سيصب في مصلحة السيسي، وقد هاجت هذه المجموعات ضد قيادة جماعة الإخوان التي كتب متحدثها في الداخل أحمد عاصم تغريدة صغيرة عبر فيها عن دعم الإخوان وتمنيهم الفوز للفريق الوطني لتحقيق حلم ملايين المصريين، ورغم أن المتحدث سحب هذه التغريدة وكتب أخرى أكثر توازنا لتهدئة تلك الخواطر إلا أن الهجمة عليه وعلى قيادته لم تتوقف حتى هذه اللحظة.

اللحمة التي تمزقت
الكشف عن هذا الجرح الغائر يتطلب تحركا واسعا لعلاجه، وعدم السماح له بالتمدد والانتشار، وبتعبير الدكتور عصام العريان في مقاله الأخير ” علينا أن نبذل جهدا كبيرا لاستعادة اللحمة التي تمزقت بين أبناء الوطن نتيجة الانحياز السياسي ضد أكبر قوة سياسية في البلاد”، وإذا كنا هنا نقصر حديثنا على وجود هذه الروح بين أنصار الشرعية فلأن هذا واجبنا بحكم انتمائنا للمعسكر ذاته، مع دعوتنا لرموز القوى السياسية الأخرى لعلاج هذا الشرخ في القوى والفئات التي ينتمون إليها، فمصر الآن أحوج ما تكون لمصالحة مجتمعية حقيقية تعيد اللحمة لهذا الشعب الذي فرقته سلطة انقلاب غاشم لا تستطيع البقاء دون وجود هذا الانقسام الذي فرق بين الأخ وأخيه والإبن وأبيه والمرأة وزوجها، والعائلات وبعضها.

المصالحة الشعبية والمجتمعيية لا تعني مصالحة مع سلطة غاصبة، أو نظام مستبد، أو قوى داعمه له، ولكنها تعني عودة اللحمة الحقيقية لكل الشعب، فتتوحد مشاعره تجاه قضاياه وهمومه الكبرى، وحينها سيتوحد المصريون ضد هذه السلطة التي تذبحهم جميعا (ذبحا ماديا أو معنويا) والتي أهانت مصر ومرغت أنفها بالتراب، وباعت أرضها وتنازلت عن مياهها وغازها، ورهنت مستقبلها مقابل الحصول على دعم سياسي دولي افتقدته في الداخل.

ليس معقولا ولا مقبولا أن يتألم فريق من المصريين من التعذيب في السجون والمعتقلات، أو التصفية في الشوارع والمنازل، أو القتل البطي في السجون، بينما فريق آخر يأكل ويمرح، ولا يأبه بما يحدث، بل لعل بعضه يبدي الشماتة أيضا.. وليس مقبولا ولا معقولا أن فريقا من المصريين يتألم بسبب الغلاء والبلاء بينما فريق آخر –رغم تألمه أيضا- يبدي الشماتة في أشقائه بدعوى قبولهم حكم الانقلاب، وسكوتهم عن الظلم.. ليس مقبولا ولا معقولا أن يفرح فريق من المصرييين بفوز منتخبهم في بطولة رياضية عالمية، بينما كان هناك مصريون يتمنون الهزيمة لهذا المنتخب، ويتمنون أن تخيب آمال المنتظرين للفوز.

جزء من الشعب
الذين يلومون الشعب ويقرعونه على احتفاله بمحض فوز رياضي، وسكوته على الظلم والقهر، وتجاهله لنصح الناصحين، وعدم انضمامه لمقاومة الظالمين يخطئون بحق أنفسهم وبحق هذاا لشعب الذي لم يكتشفوه فجأه بعد أن عاشوا بين ظهرانيه عقودا طويلة، هذا الشعب بحلوه ومره بخيره وشره، بثورته واستسلامه، بأغنيائه وفقرائه، بأطهاره وأشراره، بعقلائه وجهلائه، هو شعب مصر، شاء من شاء وأبى من أبى، ونحن جميعا جزء من هذا الشعب بكل مكوناته وبكل تناقضاته، ودورنا هو النهوض بهذا الشعب، وتوجيهه، وتثقيفه، وتوعيته وتنميته، وإصلاح ما به من خلل وعيوب، لا التعالي عليه، ولا التشفي فيه، فمهما نالنا من أذى فلا يمكن اتهام الشعب كله بالمشاركة في هذا الأذى أو حتى قبوله، ومهما نالنا من أذى فإن ذلك لا يصح أن يكون مدعاة للكيد أو الشماتة، فالمؤكد أن هذا الشعب هو ذاته أيضا أو على الأقل قطاعات واسعة منه هي التي وقفت معنا في الانتخابات البرلمانية قبل الثورة، وتحمل الكثيرون من أبناء الشعب وقتها عنت النظام بسبب ذلك، وهذا الشعب أو على الأقل قطاعات كبيرة منه هي التي خرجت في ثورة يناير، ولحق بها الباقون بعد النصر، وهذا الشعب هو الذي خرج في كل الاستحقاقات التي أعقبت ثورة يناير ومنحنا أكثرية برلمانية، واختار الدكتور مرسي ليكون أول رئيس مدني منتخب لمصر، وهذا الشعب أو قطاعات كبيرة منه ظلت صامدة معنا بعد الانقلاب وكانت حشودهم هادرة في الكثير من شوارع وميادين مصر لشهور عديدة، وهو ذاته الشعب الذي خرج في مظاهرات عارمة فرحا بالفوز الكروي، وهو الذي ملأ المقاهي والنوادي مشجعا لفريقه، وكان من بين هؤلاء المشجعين أيضا قطاعات واسعة من أنصار الشرعية، ولكن هذا الشعب تعرض بدوره لقمع شديد من العسكر الذين لم يرقبوا فيه إلا ولا ذمة، وليس مطلوبا من عموم الشعب أن يواجه المدرعات والرصاص الحي بصدور عارية،كما يفعل أولو العزم من المناضلين، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والمؤكد أن هذا الشعب الذي خرج محتفلا من قبل بخلع مبارك ثم بفوز مرسي سيخرج بأعداد أكبر يوم الخلاص من السيسي، وإن غدا لناظره قريب.

سياسة العزلة
لا يمكن إنكار حجم الأذى الذي تعرض له أنصار الشرعية من قتل وتعذيب وتشريد ومصادرة أموال وممتلكات وتشريد داخل مصر وخارجها، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا الأذى دافعا لهم لقبول سياسة العزلة عن المجتمع، فهم بذلك يحققون طموحات السيسي من حيث لا يشعرون، وهم بذلك الخاسرون لأن الشعب باق بينما السيسي ونظامه وورجاله زائلون، هذا الشعب هو منا ونحن منه، ولا يمكننا العيش بعيدا عنه لفترة طويلة، وهو مجال دعوتنا وحركتنا، وثورتنا، وهو الذي نتعبد إلى الله بخدمته وتنميته وتطويره، ربما كانت لدى الكثيرين منا تصورات خاطئة وقناعات مغلوطة، وتقييمات غير واقعية من قبل، ولكن هذا ليس خطأ الشعب ولكنه خطأ أصحاب تلك التقديرات والقناعات، وهم مدعوون الآن لمراجعة تقييماتهم الخاطئة، ومعرفة الصورة الحقيقية وبناء الخطط والإستراتيجيات الصحيحة للتعامل معها.

لن يمكن إنهاء الحكم العسكري واسترداد المسار الديمقراطي المدني طالما استمرت حالة الفرقة المجتمعية، فهي التي تتغذى عليها هذه السلطة، ولن تتطور مصر أو تتقدم إلى اٍلأمام طالما استمرت هذه الحالة، ولن يمكن مواجهة التدخلات الخارجية في الشأن المصري طالما ظل المصريون شعبين، ولن ينصلح حال مصر عموما إلا إذا أيقنا جميعا أن قوتنا في وحدتنا، وأن عزتنا في تماسكنا، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إعلان وفاة.. هل أتم الصهاينة سيطرتهم على الجامعة العربية؟

ربما يعلم العدو الصهيوني أن كلمة واحدة تخرج من على منبر جموعي واحد، تفعل ما لا تفعله مئات …